يختـزن الروائي أحمد الدويحي عالما من روايات وحكايات، وتجربة حياة، وعلاقات إنسانية صافية مولدة للحوارات المفتوحة، يرى الدويحي أن البدايات أغنى بما يثري حياة الروائي كونه لا يقول في روايته كل شيء دفعة واحدة، رغم أن تمريـر الذاتي وارد في معظم الأعمال، ربما من حسن حظي أني ولدت فوجدت سيدتين لهما مقام عالٍ من حيث المكانة الاجتماعية، تتنافسان على رعايتي والعناية بي، فجدتي لأمي عزة بنت عبدالله الكلي ابنة شيخ القبيلة ساردة بامتياز، وجدتي لأبي مليحة بنت عبدالله الفقيه من بيت السادة وتحمل إرثا تاريخيا وثقافيا، كون الإمامة والفرائض في البلاد والمال محصورة في أسرتها بين القرى المحيطة، وكان لجدتي عزة رحمها الله السبق والغلبة في احتضاني، والحياة في بيت أخوالي، وذلك ما شكل منعطفا مهما في حياتي. وأضاف الدويحي: «وقيل لي إنها تحملت كثيرا من المعاناة بسببي، فكانت تحملني على كتفها مع قربة الماء، وتسهـر الليل على رحى الطحين، وأنا معلق في جنبها، وكان رحيلها فاجعا، كونها لم تطبع ملامحها في ذاكرتي، وهذا موجع، وكان لابد من الانتقال والحياة في كنف جدتي الأخرى مليحة عبدالله بنت الفقيه» . مشيرا إلى أن حياته بدأت معها بواقعة أيضا مشهودة، فتعرضت لهجوم غاشم وغادر من بقرتها، ونطحتني في وجهي تلك البقرة وكسرت أنفي، وكانت بقرتها عزيـزة لديها وتعطي للناس من لبنها وسمنها، فنذرت جدتي حياتها، وجعلت ذلك اليوم آخر أيامها، وأذنت بذبحها وتوزيـع لحمها بين الجماعة، صدقة لوجه الله، وفداء عني. معتبرا جدته مليحة عالما مليئا بالأساطير. وأكد الدويحي أن بغداد عاصمة العباسيين تركت وشما في الذاكرة، فقد كان مكلفا بالعمل في معرض بغداد الدولي التجاري بداية عام 1982م، وكانت حينها الحرب الإيرانية العراقية مشتعلة، وتبدو مظاهر الحرب جلية في المدينة، والسفر إليها مكلف وشاق، وكنت سعيدا بالمغامرة والسفر إليها باعتبارها عاصمة عربية وتاريخية بغض النظر عن ظروف الحرب، وكان الشأن الثقافي يشدني إلى عاصمة الرشيد، وهي نافذة الحداثة الشعرية العربية، مشيرا إلى أنه كتب فصولا عن تلك الأيام في بغداد، حوتها روايته «ثلاثية المكتوب مرة أخرى»، ويلفت إلى أنه بدأ في التسعينيات الهجرية النشر إذ أرسل نصا قصصيا للأستاذ سباعي عثمان ــ رحمه الله ــ ، وكان مشرفا على الثقافة في صحيفة «عكاظ»، فنشر النص وكتب ملاحظة برغبته في تواصل القارئ الذي يعجب بنصه معه، فأرسلت له نصين قصصيين آخرين، وكان لتواصلي معه منعطف آخر في حياتي، إذ طلب مني أن أعمل معهم متعاونا من مكتبهـم في الرياض، وكان مديرا لتحريـر «عكاظ»، وكانت المادة الصحفية الأولى ريبورتاجا عن منطقة الباحة، بمناسبة زيـارة ولي العهد، الملك فهد، لها في عام 1398هـ .. وتوالت الأعمال السردية التي منها ريحانة ومدن الدخان وغيوم امرأة استثنائية.
مشاركة :