في إطار البرنامج الوطني لمكافحة الإرهاب نسترجع بعض الأحداث بغض النظر عن زمن حدوثها. من هذا المنطلق ومن أجل المقاومة المستمرة لداء الإرهاب أستحضر اليوم أحد الإنجازات الأمنية التي تستحق التقدير والدعم والمشاركة من المواطن والمقيم والزائر وكافة الفئات لأن الأمن حاجة إنسانية أساسية، وقضية وطنية جوهرية. ومن ملف الإنجازات الأمنية أستعيد خبر القبض على 88 شخصا خططوا لأعمال إرهابية، وهو إنجاز أكد لنا أن الأمن يقظ وساهر ومتمكن وقادر بتوفيق الله على الضربات الاستباقية، كما ينبهنا ذلك الانجاز إلى ضرورة اليقظة الفكرية والوقاية من الفكر المتطرف وتحديد منابعه وتجفيفها. إن القبض على خلية إرهابية تضم 88 شخصاً يفرحنا ويحزننا في وقت واحد. نشعر بالاطمئنان ليقظة الأمن، ونحزن لوجود هذا العدد الكبير من المخدوعين، ونحزن أكثر حين يكون بينهم 59 ممن سبق إيقافهم في قضايا أمنية، ثم ينتابنا العجب حين نقرأ في الخبر أن عدداً من المعتقلين أرسلوا أبناءهم إلى تنظيمات للخارج. على صعيد الحلول نجد أن مقاومة هذا الفكر بالفكر هي توجه مهم ونجد أن برنامج المناصحة تجربة ناجحة بدليل أن نسبة الذين اعتزلوا الفكر المتطرف هم نسبة كبيرة جداً، وهذا لا يمنع من القول إن الوقاية من هذا الفكر ومن منتجاته تتطلب المراجعة والتطوير. القضية وطنية ذات أبعاد مختلفة ولذلك فان الوقاية والمكافحة يجب أن تتحول الى خطة استراتيجية تشارك في اعدادها وتنفيذها كافة أجهزة الوطن كل حسب مسؤولياته، على أن يكون الجانب الفكري فصل رئيس في هذه الخطة. القضية قضية فكرية في المقام الأول حيث اجتمع التطرف مع فئة تستغل الدين لأغراض خاصة، مع فئة متعاونة مع الخارج، مع أجندات سياسية مغلفة بشعارات دينية، مع تدخلات خارجية تستغل الفكر المتطرف لخدمة مصالحها. كل ذلك تحول الى أعمال عنف وإرهاب تعاملت معها القطاعات الأمنية بعين ساهرة ودرع قوي ومتابعة متطورة، وجهود نشطة متواصلة. في مقابل ذلك لا يزال الجانب الفكري لهذه القضية بحاجة الى تنظيم وتفعيل من خلال المؤسسات التعليمية والدينية والاجتماعية تحت مظلة واحدة تحقق التنسيق والتكامل والرؤية المشتركة. إن يقظة الأمن كفيلة - إن شاء الله - بالتعامل مع من يخططون لتنفيذ أعمال إرهابية، وحين ننظر الى الخلفية والتراكمات التي أوجدت الإرهاب ندرك أننا بحاجة الى يقظة فكرية ومعالجة استراتيجية للفكر الذي ينشر الفتنة والتطرف والعنف والكراهية رافعاً مع الأسف راية الإسلام دين السلام والرحمة والمحبة والتسامح. الأمن الفكري أساس لأمن المجتمع ووحدة الوطن وتنمية الانسان، هذا الأمن ينتظر منا مزيداً من الجهود والبرامج والمشاركة من الجميع دون استثناء، كما ينتظر منا المراجعة والتقييم للانتقال الى مرحلة جديدة تتفق مع كافة المتغيرات. ومن هذه المتغيرات وجود مواقف رمادية لأناس مؤثرين، ووجود من يتعدى الحدود ليتدخل في شؤون الدول الأخرى معارضا سياسة بلده. ووجود فكر يستغل أي قضية ليحولها الى نشاط تحريضي لا يخدم أمن الوطن ووحدته واستقراره. هناك فكر نشط لكنه فكر غير وطني، فكر يحرض على العنف والكراهية والتطرف. هذا الفكر هو منبع الإرهاب. هو الفكر الذي يمكن منع مخاطره من خلال مؤسسات التعليم بالدرجة الأولى ثم عبر منابر الثقافة والإعلام مع أهمية تطوير الأساليب الإعلامية، والخطاب الإعلامي لتحقيق التأثير المطلوب، ذلك أن الأساليب التقليدية المباشرة ليست فعالة في مجال الفكر وتعديل السلوك. واذا كنا نتعامل مع نتائج الفكر المتطرف بفعالية أمنية، ومن خلال برنامج المناصحة، فان الحل الاستراتيجي هو دور المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية ومراكز الدراسات والأبحاث وهو دور مهم ويحتاج الى تفعيل واستمرارية وخطط وبرامج علمية وعملية بدلا من الاجتهادات الوقتية المرتبطة بمناسبات معينة.
مشاركة :