حادثة الأحساء.. قد قالها الملك: الوطن للجميع - بينة الملحم

  • 11/10/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

لا أعتقد أنّ حدثاً قد شغل المجتمع السعودي واهتزّ له كحادثة الأحساء. سيطرت أخبار الحدث وإرهاصاته على أحاديث ورسائل وتغريدات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في تفاعل عبّر فيه المواطنون عن توحدهم ووقوفهم ضد ما كان يُحاك لإشعال الفتنة فيما بينهم. ولأننا في المملكة قد اكتوينا بنار ظاهرة الإرهاب وكنّا قد تعهدنا بحزم اجتثاثها، وكان لجهازنا الأمني إنجازات جبّارة مشهود لها بنجاحات متتالية فلم يكن مستغرباً تلك السرعة والإنجاز الأمني في الإطاحة بالخلية وبمجرمي الحادثة وإحباط المخطط الضخم الذي كشفته الداخلية من وراء حادثة الأحساء. سوى أن الصدمة الأكبر على من كان قد حاك هذا المخطط كانت في ردة الفعل المجتمعية التي توحّد فيها جميع المواطنين وتعبيرهم عن وعيهم وإدراكهم لما كان يحاك ضدهم وأن المستهدف هو وطن بأكمله وتعبيرهم عنها في مواقع التواصل الاجتماعي تويتر وأنشؤوا لها وسوم كوسم الوطن_متحد_ضد_الفتنة وغيره الكثير. ظاهرة الإرهاب لها قوانينها فهي ظاهرة اجتماعية وإذا لم يتم التعرف عليها وتشخيصها من خلال منهجية علمية وعملية فلن يتم السيطرة عليها، المحاولة الفاشلة في حادثة الأحساء بإشعال فتنة وإيهام أحد مكونات المجتمع وتجييشه طائفياً أعادت لذهني تلك العبارة الخالدة التي قالها الملك الحكيم والد الجميع "الوطن للجميع". "الوطن للجميع"، نعم هو ذلك وبلا أدنى شك لكن كيف يكون «الوطن للجميع» ومتى يكون؟ ومتى لا يكون؟! وهل جاءت هذه المقولة في وقت أن هناك «من» قد يقوّض تحقق «الوطن للجميع»؟! ما أن يحضر حديث حول مفهوم «المواطنة» حتى يتم مزاحمتها بمفاهيم «الأخوة» و«الجماعة» و«السبيكة القومية» و«الوحدة الأممية»، وفي كل هذه المفاهيم ينتهي تماماً «المواطن» لمصلحة مفاهيم جمعية وجماعية، يصير فيها «الكل في واحد»، إذ تمارس تقاليد التمييز والتعصب والتفرقة، فلا يعد «الوطن للجميع»! يأخذ الحديث عن أهمية مفهوم المواطنة بمعناه الدقيق كخط دفاع أول أمام أية محاولات لزعزعة استقرار الأوطان والمساس بوحدتها الداخلية من خلال تغذية النعرات القبلية أو الطائفية والمذهبية أو الاتجاهات والمواقف الفكرية داخلها. فالمواطنة توفر مظلة كبيرة لمكونات الوطن كافة، التي قد تختلف في ما بينها من حيث الانتماء إلى قبيلة أو طائفة أو مذهب أو موقف فكري مختلف، فحقيقة الأمر أن شعور الجميع بأنهم مواطنون ينتمون إلى وطن واحد يفرض سمو رابطة المواطنة على الانتماءات الأخرى من دون إلغائها. في قراءة سريعة للمشهد العراقي، التي تقودنا إلى أن واقع التناحر والاحتراب الطائفي كان نتيجة مفادها التراجع الواضح في مفهوم «المواطنة» وعدم تقديم درء المفسدة من زاوية كونه مظلة تسمو فوق الخلافات المذهبية والطائفية وتوحد الجميع في إطار كلي شامل لا ينفي الجزء وإنما يجبه. فلقد أفسح تراجع مفهوم المواطنة والفرز الطائفي لمكونات العنصر الديموجرافي في العراق المجال أمام تسلل، بل وتعاظم، النفوذ الإيراني فيها، كما انعكست حال الفوضى الأمنية على تماسك الجبهة الداخلية، إذ لم يعد هناك تهديد أو خطر مشترك يجمعها، بل تعددت التهديدات وفقاً لمدركات وحسابات القوى الفاعلة على الساحة وفي هذا السياق، وجدت الجماعات والتنظيمات المتطرفة تربة خصبة لمزاولة أنشطتها في إطار حرب مفتوحة، لا صلة للعراق بها ولا عزاء لحال سورية وليبيا فأصبحت بعض الدول تحارب بعضها بالوكالة من جرّاء ذلك. الخطورة من مثيري الفتن في المنابر ووسائل الإعلام ومشعلي نيران الاحتراب الفكري والتحريض الطائفي لشقّ وحدة صف هذا الوطن بإقصاء كل من يخالفهم هي كمن يمارس لعبة شد الحبل على خط المجتمع والكل يحاول الانتصار لنفسه عبر التراجع والعودة للوراء لتحقيق الانتصار ويظل الخط الثقافي للمجتمع نقطة لا يعيرها أحد الاهتمام ولذلك تذهب المجتمعات واستقرارها ووحدتها ضحية شد الحبل لتحقيق التراجع! المقولات العظيمة التي تصدر عن عظيم ليست بحاجة إلى التصفيق أو التبجيل بقدر التوقف والمراجعة، كالمقولة العظيمة التي ألقاها الملك العظيم في نص خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمام مجلس الشورى «الوطن للجميع».. هي بلا شك تجسيد حقيقي لمفهوم «المواطنة» والأهم قوانين تسن وتجرّم وبرنامج حقيقي عملي يتجاوز مجرد التنظيرات وإلقاء الخطب والمحاضرات أو مجرد كلمات تطلق في الهواء وشعارات!

مشاركة :