انطوت بالأمس صفحة أم صالح التي عاشت سنين طويلة معلقة لم تكن أرملة أو مطلقة، بعد أن أنجبت طفلا معوقا ذهنيا قبل نحو ستة عقود في الحارة الجنوبية في محافظة صبيا، لم تدرك أن يكون مصيرها النكران بعد التفاني والصمود في وجه نوائب الدهر، كانت أما صالحة اعتنت بوليدها المعوق ولم تتخل عنه لحظة، أطلقت عليه اسم صالح، كان أبكم ومعوقا ذهنيا. أم صالح «حمودة» تلك المرأة الشامخة لم تهدها الظروف القاسية ولم تعقها نظرات البشر وهي التي تركت مال الزوج من أجل طفلها، الذي يراه البعض معوقا بينما يحمل في حناياه كثيرا من صفات النبلاء والفرسان، رحلت أم صالح بعد أن أفنت زهرة شبابها وهي ترعاه حتى ناهز الستين من العمر، وكان سبب رحيلها مرض عضال لم يمهلها طويلا وغابت نظراتها عن صالح، الذي رآها مكفنة فظن الجيران والأهل أن جنونه لن يجعله يدرك فداحة المصيبة التي حلت به ولكن هيهات صاح صالح ومنع خروج الجنازة من المنزل، وتشبث بها وهو يبكي ألم الفراق ونظرات الحاضرين ترقب المشهد غير مصدقين أن صالح يتعامل كرجل عاقل فقد أعز ما يملكه هي من كانت تتابعه وتغسله وتنظف ملابسه وتعطره ليخرج في الحي وهي تسمع ثناء الناس على ما يقوم به من أعمال رائعة كحماية بنات الحي من كل من يحاول إيذاءهن. تقول أم خالد إن المرض الذي حل بجارتنا أم صالح غريب وتأخر مراجعتها للمستشفى ربما عجل بوفاتها كانت تعاني من نزيف لم يمهلها طويلا وتساءلت من يكفل صالح بعد رحيل أمه؟، وعبرت أم حسن عن حزنها العميق لرحيل أم صالح، أم حسن تقول حزننا عليها كبير وعلى صالح أكبر كيف سيكون وضعه وما هو مصيره وهو يبلغ حول الستين عاما من يستطيع الاعتناء بنظافته. وناشدت الجهات المختصة بأداء دورها تجاه صالح، وقالت: «يعز علينا فراق صالح في حال استضافته الجهات المختصة، وسنفتقد أمانته وخلقه الرفيع وعفته، ورحمة زرعها الله في قلبه على أطفالنا، نتمنى ألا يترك حارتنا، ولكن لا نعلم من سيقوم بشؤونه ويتولى نظافته ورعايته».
مشاركة :