الفظ الاسم، وستشعر بسكينة خفية استقرت في نفسك، تشبه النظر إلى جبل يسكب من شقوقه ماء المطر. هي بلدة أردنية جميلة جداً، لم يزرها أحد إلا أحبها وأحب العودة إليها. لها تاريخ عريق ومشرّف لم يظهر من قبل، عكفت على البحث عنه وتوثيقه من مصادر مستقلة وموثوقة بعدة لغات منذ عام 2011 حتى يومنا هذا؛ حتى نُشر في موسوعة ويكيبيديا وغيرها من المواقع. ولا أخفي سروري وافتخاري الشديدين بأن القاصي والداني بات يتناقل تاريخها، حتى باتت ساكب بتاريخها وجمال طبيعتها محط أنظار الصحفيين ووجهة منتجي التقارير التليفزيونية. برزت أهميتها البالغة إبان القرن السادس عشر؛ وقتئذ ألغي اسم جرش فترة طويلة من الزمن لتصبح ساكب اسماً يطلق على كل من جرش وساكب. من زمن الإمبراطوريات، إلى زمن العثمانيين والدولة المعنية، إلى تغني الرحالة والمستشرقين بعراقة أهلها وجمالها، وعلى رأسهم ملك إنجلترا جورج الخامس وأخوه الأمير ألبرت، اللذان أبدعا في وصفها. إلى وقت احتضان ساكب لاجتماع الأردنيين الكبير والأخير الذي انطلق منه الشرفاء بأسلحتهم ومعاولهم نزولاً إلى نهر الزرقاء لطرد أول مستوطنتين يهوديتين في شرقي الأردن أواخر القرن التاسع عشر. إلى بطولات شهدائها الذين دافعوا بأرواحهم وأموالهم عن وطنهم ودينهم، حتى أصبحت ساكب بلد الشهداء. إلى اليوم، وحتى كل يوم، هذا مقال مختلف عمّا أكتب؛ إذ أستوحيه من همة وعزيمة شباب ساكب، اللتين يدعمهما ويقف خلفهما قاعدة عريضة ومتينة من رجالاتها الكبار بخبراتهم وكفاءاتهم العلمية والعملية في الحياة. هم ذوو أفكار مستنيرة، فقد ضربوا مثلاً عملياً في الإصلاح والإنجاز والتقدم. ففي السياسة يختلفون لكنهم لا يخالفون بعضهم، فالأولى خير ومحبة، والثانية شر وبغض. كما أن لهم إبداعاتهم الخاصة وقوانينهم المتميزة في طريقة اختيار من يمثلهم للترشح في الانتخابات الأردنية بكافة أنواعها، ولطالما مارسوا ديمقراطية بين أنفسهم تضاهي أو تفوق أعتى ديمقراطيات العالم. قبل يومين، ومنذ الصباح الباكر، هب المئات من أهل البلدة من مختلف الأعمار والانتماءات السياسية والفكرية في حملة سموها «إحسان ساكب» بدأت على الفيسبوك، حيث قاموا بتنظيف البلدة على أكمل وجه، ودهان وترميم الأرصفة والأطاريف، وأنهوا يومهم بتلوين جداريات رائعة الجمال رسمها عدد من المتطوعين. وتستمر الحملة بأفكار متجددة. بهمة أهل ساكب، تجد المشاريع الاقتصادية الناجحة، وتجد مضافاتها الكثيرة والكبيرة مفتوحة دون تردد لكل من يحتاجها لأي مناسبة كانت، تجد أيضاً الروضات المجانية، والجمعيات الخيرية المتنوعة، ومراكز تحفيظ القرآن، والمراكز والنشاطات الصيفية المجانية. ألا نحتاج إلى أنموذج سياسي اجتماعي اقتصادي سليم من محيطنا؟ إنه أنموذج ساكب، إذ هناك دائماً محاولات جادة وسريعة لحل كل شيء، وتجاوز أي عقبة. والحقيقة أن الماضي والحاضر والمستقبل العملي والعلمي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلدة يكسر حالة جلد الذات المتأزمة عند المواطن العربي، الذي يعرف ما يصح في كل شيء، ولا يفعل شيئاً. ساكب، حفظك الله وكفى.
مشاركة :