ألقى قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بعقد المجلس الوطني الفلسطيني يوم 30 نيسان 2018 برام الله بدون مشاركة حماس والجهاد، ثقله وخلّف حالة جدل وأعاد الإنقسام السياسي إلى مربعه الأول، ودلالة على ذلك توجه حماس لعقد مؤتمر إنقاذ سياسي تنظيمي في غزة أو في القاهرة إذا سمحت، مما يدفع بإتجاه تكريس الإنقسام وتعميقه وإمتداد أذاه إلى أكثر وأوسع مما هو قائم، خاصة وأن قيادة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية ليس لديها ما يمكن أن تتباهى به في مواجهة دعوة ترامب ورؤيته الإسرائيلية المتطرفة الفاقعة، وتحمل الكثير من الإحباطات لفشل مسار المفاوضات وخيارها. صحيح أن الوضع الدولي يسير إيجابياً بإتجاه الانحياز التراكمي لصالح فلسطين ضد التحالف الإسرائيلي الأميركي، على الرغم من ضعف الإمكانات الفلسطينية وتواضعها، فقد هزمت فلسطين المستعمرة الإسرائيلية ومعها واشنطن، في جلستي التصويت لمجلس الأمن في شهر كانون أول 2017، بنتيجة 14 دولة ضد الولايات المتحدة بما فيها دول أوروبية وازنة : بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد ومعهم اليابان، وكذلك لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة 128 دولة ضد 9 فقط، إضافة إلى نتائج إجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والقمة الإسلامية في إسطنبول، والإتحاد البرلماني العربي في الرباط، عاكسة التفهم وتطور الموقف الدولي لعدالة الموقف الفلسطيني وشرعية مطالبه وتوجهاته . ولكن الإنجازات السياسية الفلسطينية التي تحققت على خلفية القرارات الدولية، لم تعكس تأثيرها الإيجابي على تحسين حياة الشعب الفلسطيني داخل وطنه، مثلما لم تعكس نفسها على ردع المستعمرة الإسرائيلية عن مواصلة برنامجها التوسعي العدواني، كما لم يتجاوز الحديث النظري عن ضرورة الوحدة الوطنية، بعد أن تحققت المصالحة في شهر تشرين أول 2017، وحصيلة ذلك أن خطوة المصالحة أخفقت نحو الإنتقال للخطوة التالية وهي الأكثر أهمية، والمتمثلة بتحقيق الشراكة الفعلية بين طرفي الإنقسام، ولهذا بقيت الجبهة الداخلية مهزوزة ضعيفة، لم تستطع زحزحة الإحتلال عن برامجه التوسعية الإستعمارية الإستيطانية، بل واصل تطرفه وعدوانيته مستفيداً من المظلة الأميركية التي وفرها ترامب، والتي حالت دون تمرير قرار مجلس الأمن حول القدس يوم 22/1/2018 ، عكس ما حصل في قرار مجلس الأمن 2234 الصادر يوم 23/12/2016، بإمتناع الولايات المتحدة عن التصويت، بقرار من قبل الرئيس الأميركي السابق أوباما. مطالبة عقد المجلس الوطني مُلحة، وقد كانت كذلك طوال العشرين سنة الماضية في غياب إنعقاده، وهذا لا يعني ولا يُبرر عدم إنعقاده، بل يتحمل صاحب القرار مسؤولية التهرب من إنعقاده، وكان السبب الجوهري في عهد الرئيس الراحل أبو عمار عدم التصويت الرسمي على التعديلات التي كانت مطلوبة منه على الميثاق الوطني، ولم يكن يقبل بهذه التعديلات، لأن مسار التسوية لم يكن مقبولا لديه بعد إغتيال إسحق رابين وفشل شمعون بيرس، وتعليق الإنسحاب من مدينة الخليل ومجيء نتنياهو وسيطرته على مقاليد القرار الإسرائيلي الرافض والمعادي لأية تسوية واقعية، ولا أصفها أنها عادلة، للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولهذا لم يكن أبو عمار متحمساً لعقد المجلس الوطني، حتى يتحاشى دفع إستحقاقات تغيير الميثاق الوطني. ومنذ 2005، وتولي الرئيس محمود عباس مقاليد القرار الفلسطيني وسيطرته المنفردة على مؤسسات صنع القرار وتجميد بعضها والتلكؤ المتعمد في مواصلة عملها، لم يكن يضع في أولوياته تحسين مستوى الأداء الداخلي، والحفاظ على الوحدة الوطنية، فقد كانت تمثل آخر إهتماماته، وكان رهانه الأول يعتمد على تحقيق إنجازات سياسية وكسر حدة المواجهة مع العدو الإسرائيلي، ومحاولة كسب الموقف الأميركي أو على الأقل عدم التصادم معه، وقد حققت سياسته حالة من الحضور الملموس للقضية الفلسطينية على المستوى الدولي، مجسدة بسلسلة القرارات التي تمت سواء في اليونسكو أو مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو غيرها من المواقع، ولكن ذلك لم ينعكس على حياة الفلسطينيين في التخلص من الإحتلال أو زحزحة وجوده وسطوته وتوسعه وإستيطانه وتمزيق الضفة الفلسطينية، أو منع إجراءات تهويد القدس أو أسرلة الغور أو إنهاء حصار غزة. هذا من جانب، ومن جانب آخر ترافق تولي الرئيس محمود عباس الرئاسة، مع الإنقلاب والإنقسام الذي تواصل لأكثر من عشر سنوات ولايزال، مما يدلل على فشل حركة فتح من إنهاء الإنقلاب وتداعياته والتخلص من الإنقسام وأثاره، ولذلك يمكن الإستخلاص أن حركة حماس تتحمل مسؤولية جموحها التنظيمي السياسي بإتجاه التفرد وعدم الشراكة، وإدارتها الأحادية لقطاع غزة، مقابل تحمل حركة فتح مسؤولية تفردها في إدارة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية ولاتزال، وكلا الفصيلين والتنظيمين وصل لطريق مسدود، في قطاع غزة وفي الضفة الفلسطينية، مما يستوجب إعادة النظر من كليهما نحو سياستهما المنفردة الأحادية، بعد أن وفرت للعدو الإسرائيلي فرص إستغلال الإنقسام والضعف الفلسطيني، لتحقيق أغراضه في التوسع والإستيطان والتهويد والأسرلة للأراضي الفلسطينية المحتلة وفرض الحصار على غزة وتجويع أهلها وإفقارهم. إنجازات الشعب الفلسطيني الملموسة في مواجهة العدو المتفوق تحققت بفعل التضحيات وكافة أشكال الكفاح، فإذا كانت محطات التفاوض في كامب ديفيد وأنابوليس وواشنطن، قد أخفقت، فقد حققت محطات النضال الجماهيري الكفاحي الفلسطيني وسجلت إنتصارات تراكمية للشعب المناضل ضد عدوه الوطني والقومي والديني: المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي، فقد سجلت الإنتفاضة الأولى عام 1987، والإنتفاضة الثانية عام 2000، والثالثة في تموز 2017 لدى الحرم القدسي الشريف، والرابعة لدى كنيسة القيامة شباط 2018، سجلاً حافلاً، وتراجعاً مرغماً للإحتلال أمام بسالة المقاومين وصلابتهم وقوة إيمانهم بعدالة قضيتهم وشرعية مطالبهم، وأثبتت أن النضال هو القادر على لجم الإحتلال وإفشال برامجه ومخططاته وطريق وأداة هزيمته. وحصيلة ذلك أن العمل الكفاحي المصحوب بوحدة المناضلين على الأرض وخلف متاريس المواجهة الميدانية والسياسية هو أداة الإنتصار، تلك هي الإستخلاصات المطلوب أن يتوقف أمامها أصحاب القرار، وأن يتواضعوا أمام تجارب شعبهم، وليس أمام الآخرين، فالشعب هو المعلم وهو القائد ودافع الثمن وهو صاحب المستقبل وصانعه . h.faraneh@yahoo.com * كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.
مشاركة :