مثلما نجح الرئيس محمود عباس، في عقد مؤتمر حركة فتح السابع يوم 29/11/2016، نجح ايضاً في عقد المؤتمر الثالث والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله يوم 30/4/2018، رغم حجم المعارضة لعقد الوطني، وهي معارضة ماثلة في سببين اساسيين: أولهما عدم إستكمال النصاب السياسي بغياب الفصائل الخمسة حماس والجهاد والشعبية والصاعقة والقيادة العامة، وقطاع وازن من المستقلين، وثانيهما رفص عقده على أرض الوطن المحتل، في ظل الإحتلال الإستعماري وبموافقته ورضاه، مما يحول دون مشاركة العديد من القيادات الحزبية المعروفة والمقيمة خارج الوطن، ورغم هذه الدوافع والتحفظات، فقد أصر الرئيس الفلسطيني على عقده متجاهلاً كافة دعوات التأجيل، متعمداً تغييب المعارضة، ورغبته غير المعلنة في إستدراج المعارضة نحو عدم تلبيتها حضور المجلس، وتسجيل الغياب، مما سهل عليه إدارة المجلس وتوجهاته كما يرغب وكما يُخطط تنظيمياً وسياسياً . لقد سبق وفشل الرئيس في عقد المجلس الوطني في أيلول 2015، لأن رئيس المجلس سليم الزعنون خيره في ذلك الوقت أما بعقد دورة طارئة بمن حضر شريطة الأكتفاء بملء الشواغر، وعدم تبديل أعضاء منتخبين في اللجنة التنفيذية سبق وأن إنتخبوا من المجلس خلال دورته العادية عام 1996، حيث لا يجيز النظام إستبدالهم، وإنتخاب أعضاء جدد بديلاً عن الراحلين، أما الخيار الثاني فهو عقد دورة عادية مكتملة النصاب بما لا يقل عن الثلثين، ولهذا تم إلغاء الدعوة تلك بسبب الحذر من عدم توفر النصاب، وتصلب رئيس المجلس سليم الزعنون وتمسكه بحذافير القانون أنذاك، وبسبب الخلاف الذي شهدته لجنة فتح المركزية حول أسماء مرشحيها إلى عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة . في دورة إنعقاد المجلس هذه الأيام، قرر الرئيس عباس أن تكون الدورة عادية بنصاب قانوني، حتى ولو لم يكتمل النصاب السياسي بغياب الفصائل الثلاثة الشعبية والقيادة العامة والصاعقة، وعدم مشاركة حماس والجهاد في مؤسسات منظمة التحرير وبقائهما خارج الشراكة السياسية والتنظيمية إستمرارية لما هو قائم منذ سنوات تشكيلهما . على مستوى المواقف والبرامج السياسية لن يخرج في هذه الدورة معطيات سياسية بارزة، تتجاوز مواقف الرئيس المعلنة في رفض صفقة ترامب البائنة والمتضمنة شطب ثلاثة قضايا أساسية تُخل بحقوق الشعب الفلسطيني الجوهرية وهي : 1- القدس، 2- حق اللاجئين بالعودة وإستعادة ممتلكاتهم المنهوبة، 3- حدود الدولة المنشودة على أساس خطوط عام 1967 . ليس هناك وهم أن الفلسطينيين غير قادرين على إحباط المشاريع الأميركية، والدور الأميركي في الوساطة التفاوضية، فقد فشلت الإدارات الأميركية المتعاقبة ورعايتها المنفردة للمفاوضات الثنائية، فقد فشل الرئيس كلينتون في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 بين ياسر عرفات ويهود براك، وفشل الرئيس بوش في مفاوضات أنابوليس 2007 بين محمود عباس ويهود أولمرت، وفشل الرئيس أوباما خلال ولايته الأولى 2009 – 2012 برعاية السيناتور جورج ميتشيل، وخلال ولايته الثانية 2013 حتى نيسان 2014 برعاية الوزير جون كيري . الفشل الأميركي المتكرر يعود لسببين : أولهما الرفض الإسرائيلي للتجاوب مع متطلبات التسوية والحد الأدنى لحقوق الشعب الفلسطيني، وثانيهما لتمسك القيادة الفلسطينية بحقوق شعبها الأساسية وعدم قدرتها على قبول تسوية لا تستطيع تلبية الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني وهي دولة فلسطينية على أراضي الضفة والقطاع والقدس الشرقية، وتسوية قضية اللاجئين، رغم أنها قدمت ليونة في المسألتين وفق مبادرة السلام العربية المعلنة قمة أذار 2002 وهما : 1- حل متفق عليه لقضية اللاجئين، 2- التبادلية في الأراضي متضمنة نفس القيمة والمساحة، وهي ليونة تمس بقراري الأمم المتحدة الأول 194 الذي يؤكد على حق اللاجئين بالعودة وليس تسوية قضيتهم بما يتم الإتفاق عليه، والثاني قرار الإنسحاب وعدم الضم 242 الذي ينص على الإنسحاب إلى خطوط 4 حزيران 1967 وعدم جواز ضم الأراضي بالقوة نتيجة الحرب، ومقابل ذلك القبول بالتبادلية، وهي إخلال بنص ومضمون القرارين، ولهذا لن يكون جديداً رفض الفلسطينيين لخطة ترامب المسبقة التي تستجيب للأطماع التوسعية الإستعمارية لحكومة نتنياهو الإستيطانية المتطرفة . إصرار الرئيس محمود عباس على عقد الدورة 23 للمجلس الوطني بغياب النصاب السياسي يعود لإسباب تنظيمية بحتة وهي : أولاً : تعزيز شرعيته وسلطته الأحادية المنفردة وتحريك الأجواء الداخلية لجعل المناخ الفلسطيني حيوياً في ظل إنسداد الأفق نحو تحقيق أي تسوية تضمن الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية، خاصة بعد أن أعلن ترامب أنه يسعى لتنظيف طاولة المفاوضات من القضايا الجوهرية التي أعاقت التوصل إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإزاء ذلك، وبعد فشل القدرة الفلسطينية على إختراق خطوط وسياسات المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي والإخفاق في عدم دفعه نحو الإستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني ورفضه متطلبات التسوية وشروطها، إزاء غياب القدرة هذه، يرغب الرئيس الفلسطيني بإستمرارية الحياة وتمضية الوقت، بما يستجيب للإنجازات السياسية الدبلوماسية التراكمية التي تحققت على المستوى الدولي، مهما بدت مهمة أو متواضعة، وفي طليعتها قبول فلسطين دولة عضواً مراقباً لدى الأمم المتحدة يوم 29/11/2012، وتداعيات ذلك بفتح بوابات المؤسسات الدولية التابعة لمشاركة فلسطين في عضويتها، ويُصر على ذكر بعضها وهي محكمة الجنايات الدولية والإنتربول الدولي . ثانياً : تغيير الوضع التنظيمي الداخلي بشطب خصومه السياسيين من داخل اللجنة التنفيذية وفي طليعتهم ياسر عبد ربه إضافة إلى علي إسحق . ثالثاً : تغيير الأنظمة والقوانين بهدف شطب دور المجلس التشريعي الذي تقوده حركة حماس، مقابل إعطاء المجلس المركزي دور المجلسين الوطني والتشريعي . رابعاً : إستبدال كبار السن من أعضاء اللجنة التنفيذية الذين لا تتمكن أعمارهم من مواصلة عملهم وهم فاروق القدومي وعبد الرحيم ملوح ومحمد زهدي النشاشيبي، وضخ دماء جديدة وما يماثلها لدى المجلسين المركزي والوطني، ومقابل حرصه على ذلك، فهو لا يرغب متعمداً الحفاظ على النصاب السياسي، لأن كلفته عالية لا يستطيع ولا يملك ولا يرغب في تأديتها، فلا نتائج الحوارات خلال السنوات المتتالية ولا المصالحة التي تمت يوم 12/10/2017 ولا نتائج اللجنة التحضيرية التي عُقدت في بيروت يوم 15/1/2017 تعنيه أو ينتظر أو يعمل على تنفيذها لثلاثة أسباب جوهرية هي : أولاً : هو صاحب القرار الوحيد على رأس المؤسسات الفلسطينية ولا يريد شريكاً يُعطل عليه ويحد من خطواته وأفعاله وسياساته، فهو يرغب أن يبقى اللاعب الوحيد المنفرد في صنع القرار السياسي والتنظيمي الفلسطيني، وهي الضمانة التي تحميه من محاولات البحث عن بديل عنه . ثانياً : معطيات الوضع العربي تقف ضد مشاركة حماس والجهاد في مؤسسات صنع القرار بإستثناء القاهرة لسبب أمني له علاقة بقطاع غزة وحروب سيناء، فمشاركة حماس تعزيز لقدرة ومكانة حركة الإخوان المسلمين التنظيم الأقوى العابر للحدود في العالم العربي والموصومة بالإرهاب لدى النظام العربي، ومشاركة الجهاد تعزيز لسياسات إيران نحو التمدد وتوسيع النفوذ . ثالثاً : هو في حالة إشتباك سياسي مع الأميركيين والإسرائيليين رغم سياساته اللينة ورفضه للكفاح المسلح، فكيف يكون وضعه في مواجهة الأميركيين والإسرائيليين وهو يحمل معه فصائل متهمة بالإرهاب وفق المواصفات الأميركية الإسرائيلية المتطرفة، ولذلك يمكن وصف موقفه على أن ” الشباك الذي يأتيك منه الريح ويُتعبك أغلقه واستريح “، وبالتالي فهو يتحمل تبعات غياب النصاب السياسي بغياب حماس والجهاد وتحمل معارضة الجبهة الشعبية، مع إدراكه المسبق أن حركة الإخوان المسلمين في حالة تراجع وهزيمة في مصر وسوريا والأردن والخليج العربي، وفشل حركة حماس في مواصلة سياستها في أن تكون بديلاً لمنظمة التحرير وإخفاقها في إدارة قطاع غزة بأحادية وتفرد وإستعدادها للتراجع عن مظاهر الإنقلاب الذي نفذته عام 2007، وقبولها للمبادرات المصرية، وإذعانها لشروطه، كما أن قوى المعارضة الخمس، حماس والجهاد والشعبية والقيادة العامة والصاعقة، ليسوا موحدين في المواقف والسياسات ومعالجة ذيول التفرد الذي يقوده فلسطينياً والإقرار العربي بشرعيته، رغم إنتهاء ولايته الدستورية كرئيس والذي سيعوضه في إنتخابه رئيساً عبر المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله . h.faraneh@yahoo.com * كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.
مشاركة :