تعد قضية «الميليشيات» في العراق، من أبرز القضايا الخلافية السلبية، سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث بات السلاح المنفلت هو الحاكم المطلق، فلا قانون ولا حريات ولا ما يدعى «عملية سياسية»، أمام الموت المتربص من مختلف الجهات. وتؤكد الوقائع التاريخية أن ولادة بعض الميليشيات تعود إلى ما قبل الغزو الأميركي للعراق، بينما ساهمت الأوضاع المضطربة والتعقيدات التي رافقت إسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين في ولادة بعضها الآخر، وجميعها تتمتع بقدرات مالية وبشرية كبيرة، ومعظمها يتلقى الدعم من إيران. وتعد ميليشيات «فيلق بدر» التي يقودها وزير النقل في حكومة نوري المالكي، من أقدم المليشيات المسلحة، حيث تأسست في طهران عام 1981 من قبل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي كان يسمى في ذلك الوقت «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، على يد محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في العام 2003، واشتهرت منذ سقوط بغداد بارتكاب عمليات تصفية منظمة للضباط والطيارين والعلماء والأكاديميين والإعلاميين. ويُعد هادي العامري وأبومهدي المهندس آخر قادتها على قيد الحياة، بعد مقتل أبومجتبى العلي في معارك قرب تكريت مطلع العام الحالي. صبغة طائفية وبرزت على الساحة العراقية منذ الاحتلال ميليشيات مسلّحة تابعة لأحزاب دينية انعكست توجهاتها على ميليشياتها التي اصطبغت بالطائفية وفرض سيطرتها على مناطق جغرافية، غير مناطقها. وبحسب مراقبين ومنظمات حقوقية فإن من أبرز هذه الميليشيات وأكثرها انتهاكاً لحقوق الإنسان في العراق: ميليشيا منظمة بدر، وميليشيا عصائب أهل الحق، وميليشيا حزب الله - العراق، وميليشيا كتائب الإمام علي. ويؤكد مراقبون محليون ودوليون أن كل تلك الأعمال كانت ترتكب على مرأى ومسمع السلطات الحاكمة، وبعلمها في أحيان كثيرة، وكذلك بعلم القوات الأميركية. ويفسر المحللون السياسيون سبب الانفلات الأمني وتمادي الميليشيات، بأن قوات الجيش «الجديد»، والقوات الأمنية الأخرى، تشكلت بالأساس من الميليشيات من خلال عملية «الدمج». ويبدو أن هذه العملية في تزايد مستمر، حيث تجري في العراق اليوم عملية تشكيل الميليشيات المسلّحة بسرعة تُثير قلق قادة التيار المدني في البلاد وأوساط حكومية وبرلمانية عراقية، في الوقت الذي تحظى بتأييد من الأحزاب الراديكالية الموالية لإيران. التجربة الديمقراطية ويرى المحلل السياسي عثمان المختار، أن هذه الحالة مشابهة لما كان يجري من تشكيل الأحزاب والكتل السياسية في العراق عقب الاحتلال الأميركي عام 2003، حين كانت الولايات المتحدة تموّل أي حزب وحركة سياسية تتشكّل حديثاً مهما كان توجّه الحزب دينياً أو علمانياً، وطنياً أو قومياً، شرط أن يكون مؤمناً بما تسميه واشنطن «التجربة الديمقراطية»، حتى وصلت إلى 711 حزباً وحركة. وارتفع عدد الميليشيات، وفقاً لتقرير استخباري صادر عن ديوان استخبارات وزارة الدفاع العراقية، إلى 54 ميليشيا مسلّحة في عموم مناطق جنوب ووسط العراق، فضلاً عن بغداد، وتجاوز عدد المسلحين عتبة 120 ألف مقاتل، معظمهم من الطبقة الفقيرة غير المتعلمة ومن أعمار تراوح بين 16 و40 عاماً. ويؤكد ضابط عراقي نقلاً عن التقرير، أن «الميليشيات لديها عامل مشترك واحد هو الغطاء الديني المتطرف والتمويل، إذ تتلقّى كل ميليشيات العراق موازنة من طهران تتراوح ما بين 100 إلى 500 ألف دولار شهرياً، بحسب عدد أفرادها وثقلها على الأرض والإنجازات التي تحققها»، مشيراً إلى أن «معظم ترسانتها العسكرية هي روسية وإيرانية، وهناك نسبة غير قليلة من أسلحة أميركية وغربية مختلفة حصلت عليها تلك الميليشيات من الجيش والشرطة العراقيين بعد تسليم تلك الدول مساعدات عسكرية للعراق». ميليشيا المهدي وكانت ظاهرة الميليشيات برزت في الواجهة عقب الاحتلال الأميركي، حين تأسست ميليشيا «المهدي» بزعامة مقتدى الصدر منتصف عام 2003، كميليشيا محلية تنافس ميليشيا بدر القادمة من الخارج، تلتها ميليشيا «العصائب» التي انشقت عن «المهدي»، ثم أصبحت سبعة تشكيلات. ودفع سقوط مدينة الموصل وسيطرة تنظيم داعش على نحو 40 في المائة من مساحة العراق وتهديده بغداد والمحافظات الجنوبية، بالمرجع الديني علي السيستاني إلى إطلاق ما سميت «فتوى الجهاد» منتصف يونيو 2014. ونصّت الفتوى على حمل السلاح ضد «داعش»، وهو ما دفع رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي إلى تشكيل هيئة أطلق عليها اسم «هيئة الحشد الشعبي» التي تحوّلت في ما بعد إلى القوة الأساس في الحرب القائمة، فيما تحوّلت القوات النظامية إلى قوات ثانوية أو صورية. وبحسب عضو «التحالف الوطني» علي الربيعي، فإن «من الخطأ اعتبار كل أعضاء الحشد الشعبي مجاهدين أو مقاتلين ضد داعش بل هناك فئة استغلّت الأوضاع لارتكاب جرائم قتل طائفية وسرقة وسطو مسلح واعتداءات أخرى».
مشاركة :