يعيش واقعنا العلمي في بعض آلياته حالة من التناقض، الذي لا يمكن أن نجد لها مبرراً يريح المواطن ويقنعه. فبينما نرى أصحاب الشهادات الوهمية يسرحون ويمرحون في بعض إداراتنا، ويسيطرون على بعض إعلامنا، ويُبَجَّلون في محافلنا، فلا عين رقيب ترصدهم، ولا يد عقابٍ تَطُولُهم. بل، هم يتمتعون بوجاهة اجتماعية كبيرة على مرأى من الجميع، وبينما هؤلاء يتمتَّعون بمميزات الشهادات العُليا، ويرتشفون رحيقها، نرى بعض طلابنا يلعقون الصّبر، ويأكلون الحُصرم، حتى يحصلوا على شهادتهم، فهم في مرحلة غربلة دائمة ومستمرة، فَمِن الدوام اليومي المُرهق من الصباح إلى المساء، إلى البحوث العلمية المستمرة، والمشاركات الصَّفيَّة الدَّائِمة، والاختبارات النصفية والنهائية المقررة، إلى غير ذلك من الغربلات العلمية، حتى يحصلوا بعد أربع أو خمس سنوات على مرحلة البكالوريوس. أماَّ دارسو الماجستير والدكتوراه، فالله أعلم بمعاناتهم وما يلاقونه من مشقة الدراسة والبحث، وتعيين المُشرف، وقبول الخطة، وقد يُوفق بمشرفٍ أمين وقد يمتحنه الله بمُشرفٍ مشغولٍ بمشاغل شتى، فيصبح همُّ البحث مُلقى على عاتقه وحده، وفوق كل هذه المشاق، تراه يصطدم بتلك البيروقراطية الإدارية الخانقة. وهكذا نرى أُناساً يجنون العسل وهم نائمون، وأُناساً يأكلون الحُصرُم وهم يجتهدون. هذا التناقض في تعليمنا ذكَّرني بصديقة لي عشت معاناتها لحظة بلحظة، فقد دَرَست مرحلة الدكتوراه بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وعانت ما عانت من الذهاب والإياب من جدة إلى مكة يومياً، مع الدراسة الجادة لمدة ثلاث سنوات متواصلة حصلت فيها على درجة ممتاز، إلى هنا وهي لم تحصل على شهادة الدكتوراه فهي ما تزال في منتصف الطريق، ثم جاء الامتحان الشامل الذي تفرضه سياسة الجامعة ليقف عقبة كؤوداً في طريقها، فهي لم تتجاوز بداية أحد محاوره لأسباب واهية، ما اضطرها لإعادته ولكنها تجاوزته بفضل الله تعالى. هذا الاختبار الذي هو في نظري قمة في التناقض، إذ كيف يحصل طالب على تقدير ممتاز بعد ثلاث سنوات مُرهقات مُضنيات من ذات الجامعة، ثم يحصل على تقدير راسب من ذات الجامعة ومن نفس الأيدي التي منحته تقدير ممتاز؟! هي معاناة عظيمة وأليمة.. سأتابع سردها في قادم الأيام إن شاء الله. d.najah-1375@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (49) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain