أصداء الماضي في النقاش حول مستقبل أوروبا

  • 3/22/2018
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

في الوقت الذي يفكر فيه أعضاء الاتحاد الأوروبي في كيف يمكن جعل المؤسسات الأوروبية أكثر نجاعة، يتمثل السؤال الأساسي في هل أن الكتلة عليها أن تصبح دولة كبرى فيدرالية. وهذه القناعة ليست جديدة بالنسبة إلى القارة، لكن نظرا للتحديات الكبيرة التي تواجه التكتل الأوروبي وتباين الأولويات بين أعضائها، فإن التكرار الأخير للنقاش حول الفيدرالية قد يعمق الانقسامات بين الدول المكونة للاتحاد الأوروبي. انقسامات أوروبا هي حصيلة لجغرافيتها، حيث أن السلاسل الجبلية والأنهار غير المتصلة ببعضها البعض وأشباه الجزر التي تميز القارة مكنت من بروز عدة مراكز اقتصادية وازدهارها. وعلى مر القرون أنتجت هذه المحاور المتنوعة العشرات من الدول الوطنية ولكل واحدة منها هويتها الوطنية الخاصة بها، والكثير منها لديها طموحات توسعية. ويقدم التاريخ الأوروبي عدة أمثلة لاندماج كيانات سياسية صغيرة في وحدات أكبر، لكن العملية عادة ما جرت عن طريق الغزوات. وبهذا المعنى، يمثل الاتحاد الأوروبي انصرافا جذريا بالنسبة إلى القارة لأنه يسعى إلى توحيد مكونات أوروبا الكثيرة عن طريق التوافق بدلا من الغزو. ومازلنا بعيدين عن الحسم في مدى قدرة التجربة السياسية للكتلة على تجاوز النزعة الطبيعية للقارة نحو الانقسام. وبالرغم من أن الكثير من الأوروبيين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مواطنون لبلدهم وكذلك مواطنون للاتحاد الأوروبي، تكمن هوياتهم وولاءاتهم الأساسية في المستوى الوطني أو حتى المحلي. ولهذا السبب فإن مسائل من قبيل تحويل الموارد المالية من الدول الأعضاء الثرية إلى الدول الفقيرة أو إحداث جيش أوروبي مشترك مازالت خلافية. هنا تأتي فكرة الفيدرالية حيث يجادل الداعون إلى النموذج الفيدرالي للقارة بأن جمع الدول الأوروبية الكثيرة معا تحت سلطة مركزية واحدة هو الطريقة لتجاوز انقساماتها. وتحت هذا النظام، تتخلى البلدان الأعضاء عن سيادتها لفائدة مؤسسات مركزية قوية. وبعض الإصلاحات المتفاوض عليها حاليا (مثل تأمين مشترك على الودائع لبنوك منطقة اليورو واندماج الأسواق المالية الأوروبية) تعزز المزيد من الفيدرالية، وهو مسار -حسب قول المساندين لهذه المنظومة- انطلق بعد على كل حال وسيقوّي الاتحاد الأوروبي. أما المنتقدون فيرون أن أوروبا شديدة التنوع إلى درجة لا تسمح لها بأن تصبح دولة كبرى فيدرالية وأن المشكلات في الكتلة ترجع إلى إصرارها على التوفيق بين اختلافات بلدان لها مصالح وأولويات متباينة. ويجادل البعض كذلك بأن الاتحاد الأوروبي تحول إلى فيدرالية على عكس إرادة شعوب دوله الأعضاء في محاولة لاستبدال الهويات الوطنية بهوية أوروبية مصطنعة. ويرى المناهضون للفيدرالية بأنه بدلا من المحاولة المستمرة لتلبية الحاجات المتباينة لبلدان مثل ألمانيا واليونان، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يقبل ببساطة بأن أعضاءه مختلفون في جوهرهم وأن يعتمد نموذجا أبسط للتعبير عن ذلك الواقع. هم لا يريدون بالضرورة الاستغناء عن الكتلة لكنهم يفضلون بأن تشتغل كتجمع واسع لدول ذات سيادة تتعاون في مسائل فيها مصالح مشتركة. لقد أثبت مستقبل الفيدرالية الأوروبية بأنه موضوع خلافي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وداخلها. إضافة إلى وجهات نظرهم المتباينة حول الفيدرالية، يختلف أعضاء الاتحاد الأوروبي كذلك في معتقداتهم السياسية والاقتصادية حيث تميل بلدان جنوب أوروبا إلى تفضيل السياسات التجارية الحمائية والتسامح بخصوص التضخم وتبني زيادة الإنفاق وتقاسم المخاطر في الكتلة. في المقابل، عادة ما تدافع دول شمال أوروبا عن ثرواتها الوطنية وتعارض السياسة الحمائية وتصر على المزيد من مراقبة السياسات المالية لنظرائها الجنوبيين قبل أن تمضي الكتلة قدما نحو الاندماج. وإضافة إلى ذلك، ما إن يستقر رأي الاتحاد الأوروبي حول نوعية الإصلاحات التي سيطبقها، سيبقى عليه أن يقرر أي البلدان ستشملها الإجراءات. والأكثر من ذلك أن القارة ستكون مجبرة على معالجة هذه المشاغل وفي الوقت نفسه تتعامل مع طيف من المشكلات الداخلية بما في ذلك التهرّم السكاني وضعف النمو والزيادة المتواصلة للإنفاق العسكري. وفي الأثناء الصمود بوجه الاضطراب الناتج عن خسارة عضو، أي المملكة المتحدة، إذ أن البريكست سيترك الكتلة باقتصاد أصغر ويحرمها من واحدة من العدد القليل من قواها العالمية حقيقة. بعد أكثر من نصف قرن من إحداثه، يواجه الاتحاد الأوروبي مرة أخرى مأزقا أصاب القارة على مدى تاريخها بأكمله، ألا وهو كيفية التفاوض حول الخلافات بين بلدانها الكثيرة. ربما لن تصبح هذه الكتلة دولة كبرى فيدرالية في أي وقت قريب، ولكن سيواصل زعماؤها قضاء الكثير من الوقت وبذل الكثير من الجهد في البحث عن طرق للبقاء معا. ومع مواجهة الكتلة للمزيد من الصعوبات المستجدة في السنوات القادمة، سيصبح تحقيق هذا الهدف السرمدي أصعب أكثر فأكثر.

مشاركة :