القدس – أحمد عبدالفتاح| أصاب خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الاثنين الماضي، امام اجتماع القيادة الفلسطينية، الرأي العام الفلسطيني بما في ذلك الدوائر المحيطة به، بالحيرة والارتباك، والخشية من التداعيات التي ستنجم عنه، حيث قرر قلب الطاولة، وخوض معركته الاخيرة على جبهتين في آن واحد الاولى، على جبهة المصالحة مع حركة حماس، والثانية مع واشنطن وتل ابيب من ضمنها صفقة القرن. خطاب عباس الذي وصف بأنه كان انفجاراً اطاح الاسس السياسية التي استقرت عليها الاوضاع منذ توقيع اتفاق اوسلو وقيام السلطة الفلسطينية قبل ربع قرن، سمعت اصداءه عواصم القرار الاقليمية والدولية، التي سارع بعضها للتدخل والتوسط لاحتواء الموقف، ووقف حالة التدهور واحتمالاتها البالغة الخطورة. وكان اول الوسطاء، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي اتصل الثلاثاء بالرئيس عباس قبل إلقاء الاخير خطابه بساعات واعلانه المدوي انه بصدد اتخاذ سلسلة قرارات مالية وقانونية ضد سلطة الامر الواقع التي تقودها حركة حماس في قطاع غزة. موت الاتفاق ووفق محافل مقربة من الرئيس عباس، ابلغ نظيره المصري بلغة قاطعة، وبوضوح لا لبس فيه ولا غموض، ان اتفاق المصالحة بصيغته التي حكمت العلاقة مع حماس اصيبت بمقتل، بالانفجار الذي استهدف موكب رئيس الوزراء رامي الحمدالله، ولا يمكن اعتبار هذا الاتفاق من الان فصاعداً، مرجعية لانتظام العلاقة مع حماس وسلطتها في غزة، الذي كانت حصيلته صفراً، وأن البديل عنها اما تمكين الحكومة دفعة واحدة وفي كل الملفات، وإما تأخذ حماس «جمل غزة بما حمل»، وبالتالي عليها تحمل جميع تبعاته، كما أن لعبة بقاء السلطة الفعلية بيدها انتهت، في حين تقوم السلطة الفلسطينية بدور الصراف الآلي. وقالت المحافل ذاتها لـ القبس إن الرئيس السيسي سارع للاتصال بعباس بعد ان احيط علماً بالاجراءات التي ينوي الاخير اتخاذها، والتي اعتبرها الرئيس المصري في غاية الخطورة على الامن القومي المصري لجهة احتمال انفجار الوضع في غزة باتجاه سيناء او اسرائيل او نحوهما معاً، الامر الذي ستكون له تداعيات خطيرة. واضافت المصادر ان السيسي طلب من عباس وقتاً مستقطعاً قبل اتخاذ اي اجراءات، لافساح المجال للمساعي التي ستبذلها مصر مع حماس، لايجاد مخارج مناسبة من الازمة الراهنة، مشيرة الى ان عباس استجاب لطلب السيسي، وهو ما يفسر عدم الاعلان عن الاجراءات التي كان ينوي الاعلان عنها في الخطاب المذكور، لكنه ان استجاب لطلب الرئيس المصري لكنه لم يتراجع عنها، وسيقوم بتنفيذها في حال رفض الحركة تسليم حكومة الوفاق الحكم في القطاع بقضه وقضيضه، دون نقصان. كيانات مارقة ولئن كانت الاجراءات التي صنفها عباس في خطابه بالمالية والادارية من النوع المتوقع كوقف تمويل قطاعات التعليم والصحة والماء والكهرباء، ووقف دفع رواتب موظفي قطاع غزة، وتزويد بنوكه بالسيولة اللازمة، فإن ماهية الاجراءات القانونية التي ينوي اتخاذها هي التي استوقفت الكثير من المراقبين، ويعتقد انها تلويح باعلان القطاع إقليماً متمرداً، واخراجه من تحت المظلة الشرعية والمنظومة القانونية والسياسية الفلسطينية والتزاماتها، وبالتالي وضعه في قوائم الكيانات المارقة، والخارجة عن القانون، ووقف اصدار جوازات سفر للغزيين، واستصدار قرار من المحكمة الدستورية المثيرة للجدل بحل المجلس التشريعي رغم ان ولايته القانونية انتهت منذ عام 2010، اضافة الى انهاء جميع المؤسسات الوطنية الجامعة لشطري الاراضي الفلسطينية وتكريس الانفصال بينهما، وافتراق مصيرهما. وفي هذا الشأن، قالت المصادر ذاتها إن الدافع وراء مواقف عباس كما جاءت في خطابه حيال حماس والمصالحة، يتعدى كونها مجرد رد فعل على محاولة تفجير موكب الحمدالله، بل هي اكثر من ذلك وتهدف الى اعادة صياغة اسس وقواعد هذه المصالحة بما يقطع الطريق على تحويل غزة الى منصة يجري اعدادها لاستقبال صفقة القرن واقامة كيان فلسطيني فيه بعد اضافة النذر اليسير من كانتونات الضفة الغربية. خط أحمر وبهذا المعنى تقول المصادر ان اعلان ابومازن عن موقف على هذا النحو من المصالحة، ليس من قبيل معاقبة قطاع غزة، وانما توجيه انذار اخير لحماس بانه لن يقبل بتوظيف القطاع، واستخدامه في مشاريع وصفقات مشبوهة، بدل ان يكون جزءاً من الشرعية والمشروع الوطني، ومكوناً اساسياً من وسائل المواجهة للاستحقاقات السياسية المقبلة، وإلا فعلى حماس ان تتحمل مسؤولية افعالها. في المقابل، يجمع المراقبون على ان خطاب الرئيس عباس بما تضمنه من مواقف مدوية وصاخبة سواء بما يتصل بالمصالحة، او بعملية السلام ادخله في فئة الخطابات المفصلية، بما هو اعلان عن نهاية مرحلة كاملة من تاريخ القضية الفلسطينية، وبداية اخرى. حيث اقفل باب التسوية السياسية كما عرفها الناس منذ توقيع اتفاق اوسلو، ورسم خطاً احمر، وملزماً لنفسه ولأي زعيم فلسطيني يأتي من بعده لا يمكن تجاوزه او تخطيه بما يتصل بالحقوق الوطنية الفلسطينية. غرف مغلقة وفي الشأن ذاته، نوه الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل اسبوعين، الى 4 نقاط، اولاها: انه لن يتنازل قيد انملة عن الحد الادنى المقبول فلسطينياً ممثلاً بقيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو وعاصمتها القدس الشرقية وايجاد حل عادل لقضية اللاجئين، وانه لن يقبل بأي حال من الاحوال بصفقة القرن. وثانيتها، ان قرار القطع والقطيعة مع الادارة الاميركية لا رجعة عنه، وان الصيغة الوحيدة المقبولة لاستئناف عملية السلام هي ما تضمنته مبادرته التي اطلقها الشهر الماضي في جلسة مجلس الامن الدولي. والثالثة، ان هذا الموقف ربما يكون ثمنه فرض حصار على السلطة بما يؤدي الى انهيارها. وأخيرا، ثمة بحث يجري في الغرف المغلقة لبعض عواصم القرار الاقليمي والدولي لتخليق كيانات، وبدائل قيادية تقبل بالفتات الذي تعرضه صفقة القرن، وبالتالي فإن تجديد شرعية الاطر والهيئات القيادية لمنظمة التحرير بصفتها التمثيلية للشعب الفلسطيني من خلال عقد المجلس الوطني نهاية الشهر المقبل بات امراً ملحاً وضرورياً، ولا رجعة عنه مهما كانت الاعتراضات التي تطالبه بربط عقده بالمصالحة مع حماس. الخطاب الأخير لقد اعادت مواقف الرئيس عباس الاخيرة الى الذاكرة الفلسطينية امرين، الأول: انه وصل لذات النتيجة التي توصل لها سلفه الراحل ياسر عرفات بعد قمة كامب ديفيد عام 2000، التي كشفت عن النوايا الحقيقية لاسرائيل حيال الحل النهائي. والآخر، الخشية ان تكون نهاية الخلف مشابهة لنهاية السلف، اي ان يتم تغييبه قسراً، بأي طريقة من الطرق وهو ما ألمح إليه في اجتماعي المجلس المركزي للمنظمة، والمجلس الثوري لحركة فتح الشهر الماضي، عندما خاطبهما بالقول: «ربما تكون المرة الاخيرة التي نلتقي فيها»، خاصة بعد ان كثر الحديث عن تأجيل طرح صفقة القرن الى ما بعد غيابه الذي يمكن ان تسبق يد اسرائيل يد القدر في استعجاله.
مشاركة :