مَن يرسم الخطوط الحمراء؟!

  • 6/30/2016
  • 00:00
  • 31
  • 0
  • 0
news-picture

بدايةً، حديثي ليس عن قيادة المرأة للسيارة بل عن السلبية، فمثلاً لمناهضة قيادة المرأة السيارة يقول بعضنا إن ذلك خوفاً عليها من المتحرشين! لا أنفي وجود من يتحرش بالنساء ويضايقهن، لكن هل من الانصاف تصوير مجتمعنا بأنه مجتمع يسيطر عليه المتحرشون ومسعورو الجنس ويعيثون فيه فساداً؟ هل في ذلك إنصاف لنا كمجتمع أو لشبابنا؟ وهل يعقل أن يعمم البعض -إما بجهل أو بمكافيلية- صفة التحرش على شبابنا ويصورهم بأنهم ذئاب مفترسة تهرول ما أن تلمح فتاة من بعيد، والذئب لا يهرول عبثاً؟! وهل يصح، ليُقبح البعض قيادة المرأة السيارة، أن يصبغ مجتمعنا برمته باعتباره مجتمعاً سمته التحرش؟ هذا أمر غير مقبول. نعم، هناك من يتحرش، لكن هل يصح استخدام ذلك كفزاعة تعيق المجتمع ولا تنصفه؟ بالقطع، علينا كمجتمع فعل المزيد لردع من يتحرش أو يتعدى على الفتيات، ولكن النقطة هنا أن تعميم صفة التحرش على فتياننا أمر لا يمت للواقع بصلة، فمن فتياننا –على سبيل المثال لا الحصر- الكشافة الذين يتطوعون لارشاد وخدمة حجاج بيت الله الحرام، ومن شبابنا الرياديون الذين يدقون الأبواب لتمويل مشاريعهم، ومنهم من يذرعون البلاد بحثاً عن باب رزق، ومنهم من يقف ساعة الافطار ليسقي صائما ويقدم له تمرةً، ومنهم مئات الآلاف على مقاعد الدرس ينكبون على تحصيلهم الدراسي، ومنهم من جاهد ليجد فرصة للتدريب الصيفي، إذاً فليس إنصافاً أن نعمم، بل هو تجاوز يخلط إساءة المسيء ويعممها على المجتمع كلل أو أغلبه. ومع ذلك فردع المسيء أمر لا بديل عنه؛ أذكر مثلاً كيف نشط «المتحرشون» إبان افتتاح أحد أكبر المجمعات التجارية في الخُبر، وكيف تمكنت السلطات من كبح جماحهم لحد كبير بالحزم وعدم التسامح. عند غياب الحزم تنطبق دائماً مقولة «مَن أمن العقوبة أساء الأدب»، لكن علينا أن نتذكر دائماً، أننا كنا صغاراً يافعين يوماً، وكانت قلة منا تتحرش وتلاحق وتعاكس وتعيث فساداً، أما الغالبية فلم يك ذلك ديدنها، هذا ما علينا أن نتذكره دائماً، ولا أظن أن فتيان اليوم أصابهم سُعَار من نوع أو آخر، ولم نكن –عندما كنا فتياناً- جزءاً من مدينةٍ فاضلةٍ خالية ٍمن السُراق والمتحرشين والساعين في الايذاء والازعاج والتجاوز. كما علينا تَذَكر أن المجتمع اهتم بمكافحة هذه الظاهرة (ظاهرة التحرش) منذ سنوات، وأن نظام الحماية من الإيذاء، الذي صدر قبل سنوات، كان في الأساس نظاماً للحماية من «التحرش الجنسي» وهذا ما رشح من نقاشات مجلس الشورى آنئذ. ورغم أن البعض يأخذ على النظام أنه لم يحدد تعريفاً مقنناً لما يمكن اعتباره إيذاءً وأن ليس هناك جهة بعينها راعية للنظام ومعينة بتنفيذه، إلا أن صدور النظام خطوة ارتكازية في الاتجاه الصحيح. ويجدر بمن يسعى لكبح وتحجيم وقمع ظاهرة التحرش في بلادنا أن يعمل على تعزيز تطبيق نظام الحماية من الإيذاء بل والسعي لتعديله وتقوية نصوصه، لكن علينا أن نبتعد عن الاتهامات العامة، التي تنعكس سلباً على أشياء كثيرة في حياتنا، ولعل أفضل وسائل الابتعاد، هو عدم اللجوء إلى «فزاعات» من خلال تضخيم بعض الممارسات، وكأن المجتمع برمته يمارسها، والسعي حثيثاً لردع كل من يخطئ في حق الآخرين، بغض النظر عن مبرراته، سواء أكان الخطأ تحرشاً بفتاة أو بطفل، أو إلقاء نفايات في الأماكن العامة، أو القيادة بطريقة متهورة، أو إساءة استخدام قنوات التواصل الاجتماعي، فالردع عبر عقوبة شخصية تقع على من أخطأ هو البلسم، وليس أن نغض الطرف أو نخفف الملاحقة، أو لا نأبه لبعض التجاوزات، التي قد يعتبرها البعض صغيرة. إن ردع المسيء هو الذي يرسم الخطوط الحمراء التي ليس بالإمكان تجاوزها، وليست النصوص المكتوبة في الأنظمة واللوائح، فعندما يقع حكم على مخطئ ثم لا يُنفذ الحكم سريعاً، أو حتى يطول الترافع والتدافع لأشهر وسنوات، فليس في ذلك ردع بل فيه إيذاء للمتضرر. وهكذا، نجد أن القضية ليست تحرشاً أو قيادة متهورة أو أي جنحة أخرى، بل القضية تكمن في مكافحة التجاوز وعدم التهاون أو التسامح معه، واستخدام كل وسائل الصرامة لتحقيقه، ذلك هو الذي سيردع، تماماً كما ساهمت محاكم التنفيذ في إعادة الاعتبار للشيك الشخصي، الذي كان في وقت من الأوقات يكتب بمبالغ كبيرة لكنه لم يكن يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه، وكم من حامل لشيك قيل له «بله واشرب ميته»! وخلال فترة قصيرة انقلب الحال، لدرجة أن لا أحد يتجرأ حالياً للمخاطرة بكتابة شيك بدون رصيد. هذه تجربة يجب أن تعمم، للحد من بعض المتهورين والمستهترين من التجاوز ليس على النظام بل على المجتمع بأسره.

مشاركة :