الحلم والصبر خلقان عظيمان من أخلاق المسلمين، ويتمثلان في لين الجانب، وهما ضد العنف والشدة والغلظة، وهما مفتاح لكل خير، وهما زينة لكل عمل، ولا يكون الحلم في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه، كما أخبر بذلك المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله يثيب على الرفق أعظم ما يثيب على غيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه» (أخرجه البخاري في الأدب المفرد، 1/166، برقم 472)، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخير كل الخير في الرفق. ومن القصص التي تبين هذه الأخلاق الكريمة هذه القصة الواقعية (تم اقتباس هذه القصة الواقعية من كتاب العم سيف مرزوق الشملان «تاريخ الغوص على اللؤلؤ في الكويت والخليج العربي» – الجزء الثاني – 1978م – ص 154-152) والتي تحمل لنا أسمى معاني الصبر والحلم، وحسن معاملة المملوك أو الخادم والرفق به إذا أخطأ أو جهل. وتأتي أحداث القصة عن تاجر من أشهر تجار اللؤلؤ هو محمد بن علي بن موسى بن عصفور، وكان تاجراً كبيراً، وكان شخصية بارزة وله ذكر طيب، وكان يسافر إلى بومباي لبيع اللؤلؤ، وهذه الحادثة العجيبة حدثت له على ظهر الباخرة في طريقه إلى بومباي لبيع اللؤلؤ، وكان ابن عصفور في غرفته الخاصة ومعه مملوك له يخدمه وأخرج اللآلئ الكبيرة وأخذ يقلبها مع غيرها من اللآلئ الصغيرة على قطعة من الخام مربعة الشكل لونها أحمر يستعملها الطواشون، وتركها على البساط، وفي أثناء ذلك خرج من الغرفة ونسي اللآلئ مكومة على البساط في الغرفة، وقال لمملوكه نظف الغرفة، فما كان من المملوك إلا أن أخذ البساط ونفضه في البحر فوقعت اللآلئ في البحر والمملوك لا علم له بذلك. عاد محمد بن عصفور إلى الغرفة وإذا بمملوكه فعل ما فعل، فسكت ولم يضرب المملوك إنما قال له لا تخبر أحداً بما فعلت، وهذه الحادثة تدل على قوة أعصابه وحلمه وصبره، وعندما وصل إلى بومباي اشترى مجموعة من اللآلئ من التجار الذين يعرفهم، ولحسن حظه أنه بعدما اشترى اللآلئ ارتفع السعر ارتفاعاً كبيراً فباعها فربح ربحاً وافراً، وعندئذ أخبر أصحابه ومعارفه بما حدث له في الباخرة، فتعجبوا كل العجب لسكوته، وعدم سماعهم النبأ، أتدرون ماذا قال لهم؟ قال: لو علمتم بما حدث لي لما بعتموني اللؤلؤ، ولكن الله سبحانه وتعالى رزقني من حيث لا أحتسب. وهذه رواية مشهورة عن ابن عصفور، وهناك اختلاف في روايتها، إنما هذه الرواية التي سمعها العم سيف مرزوق الشملان من المطلعين، والله أعلم. ظل ابن عصفور صابراً على ما حدث له من خسارته في التجارة وفقد أمواله بعد كساد تجارة اللؤلؤ، ولم يذل نفسه، وكان يقول: أصحابي والتجار إذا تركوني ولم يزوروني في الديوان هؤلاء أعذرهم لأنهم يخشون أن أستلف منهم، ولكن الفقراء الذين كانوا يأتون إلى الديوان هؤلاء لماذا انقطعوا عني؟ الديوان مفتوح، والقهوة جاهزة، وتوفي ابن عصفور في زمن الشيخ مبارك حوالي 1323 هـ – 1905م. رحمك الله يا ابن عصفور، فقد ضربت المثل الأعلى في الصبر والاحتساب والرضا والتسليم بأمر الله، وكنت مثلاً وقدوة حسنة يحتذى بها في حسن التدبير والكرم وحسن الخلق وعزة النفس. د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي ajalkharafy@gmail.com www.ajkharafi.com
مشاركة :