انتقادات حادة نالها عميد الأدب العربي طه حسين، بعد إصداره كتاب «في الشعر الجاهلي» عام 1936، بعضها كانت ردود بأراء أدبية والبعض الأخر سخر نفسه لمعركة مع «حسين»، والذي كان معروفًا عنه أيضًا الدخول في معارك فكرية عديدة والقائمة تطول، من عباس العقاد إلى مصطفى صادق الرافعي وتوفيق الحكيم ولطفي المنفلوطي، وأساتذة آخرين، لكن تلميذًا سابقًا في حضرة الأستاذ الجامعي كان يتحضر للرد عليه هو زكي مبارك، ليبدأ بينهما صراع استمر لسنوات.المواجهة الأولى قبل هذا التاريخ الذي صدر فيه «الشعر الجاهلي»، كان خلافا قديما يعود لعام 1919 قد وقع بين الدكتور طه حسين وطالبه زكي مبارك، حيث فوجئ «حسين» حينها بأحد الشباب في محاضرته يطلب منه إعطاءه الكلمة منفعلاً. لم يسمح طه حسين، الذي انتهى لتوه من محاضرة عن الأدب اليوناني، بذلك لكن الطالب زكي مبارك كان يحمل انتقادات شديدة لأستاذه، ليفاجئ عميد الأدب العربي بخطبة عصماء شكك فيها ببعض المصادر التي يستند عليها أستاذه وأنكرها بشكل دقيق وعلمي آثار غضب «حسين»، كما أثار إعجاب الكثير من الطلاب بهذا الشاب صاحب العلم الجرئ. مرت الأيام ولم يتوقف الحديث عن القصة في الجامعة، ولم ينس طه حسين الواقعة ليتسبب في رسوب زكي مبارك في امتحان الليسانس، ومنذ ذلك اليوم تحول الخلاف في الأراء بين الطالب وأستاذه لخلاف طويل ومستمر لم يتوقف، ليتجدد بعد 9 سنوات من هذه الواقعة، وفقًا لما رصده كتاب «مشاهير القرن العشرين» للكاتب هاني أبوالخير. زادت حدة الخلافات عندما ألف زكي مبارك كتابه «النثر الفنى»، والذي خالف فيه رأي المستشرقين ورأي طه حسين في كتابه الأشهر «في الشعر الجاهلي»، ليدبُّ الخلاف بينه وبين أساتذته في جامعة السوربون، محل حصوله على الدكتوراه، ثم يعود إلى مصر مواصلًا الحملة على آراء المستشرقين، ويصدر كتابه «النثر الفني» في مصر ليلقى عاصفة نقدية. بمجرد قراءة طه حسين للكتاب ثارت ثائرته وتذكر ذلك الطالب الذي أنتقده أمام مئات الطلاب، والذي عاد من جديد ليهاجم رأيه وينكره بل ويتهمه بالاعتماد على مصادر غير معروفة، فكتب يسفه من الكتاب ويقلل من قيمته حتى أن البعض صار يتندر بالجملة التي كتبها وهي : «كتاب من الكتب ألفه كاتب من الكتاب»، رافضًا ذكر اسم زكي مبارك.«لو جاع أولادي لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه» غضب زكي مبارك بسبب هجوم طه حسين الذي لم يستند على رد علمي دقيق وفقًا لرأيه، فكتب يقول: «كنت أنتظر أن تفرح بكتابي، لأنه كما تعلم جهد أعوام طوال، ولكن خاب الظن وعرفت أنك وسائر الناس تغضب وتحقد، وكنت أرجو أن يكون عندك شىء من تسامح العلماء». وتابع: «تعالى نتحاسب يا ناسي العهد ويا منكر الجميل، لقد مرت أعوام لم يكن يذكرك فيها بخير أحد غيري، وهل كان في أصحاب الأقلام من انبرى للدفاع عن طه حسين غير تلميذه زكى مبارك لقد ذكرتك بالخير في جميع مؤلفاتي. فهل يضيع عندك كل هذا المعروف لأني بددت أوهامك في كتاب (النثر الفني)؟». ومضى زكي مبارك هجومه العنيف: «لقد انكشف أمر طه حسين منذ أصدرت كتاب (النثر الفني) فقد بيّنت أغلاطه وسرقاته، وتحديته أن يدافع عن نفسه، فتخاذلت قواه ولم يملك الجواب، وعرف الأدباء فى المشرق والمغرب أنه لا يملك شيئًا أصيلًا، وأن مؤلفاته ليست إلا هلاهيل انتزعها من كلام الناس، وأن ما يدعيه من الأراء ليس إلا صورًا ملفقة انتزعها مما يقرأ ويسمع، لأن قلمي ليس إلا محنة صبها الله على طه حسين، ولعله انتقام من الله على طه حسين»، حسب كتاب «مشاهير القرن العشرين». وهدأ الصراع بعد ذلك قليلًا، حتى أنه عندما أصدر إسماعيل صدقي باشا قرارًا بإبعاد طه حسين عن جامعة القاهرة، كان «مبارك» في أوائل المدافعين عنه رافضًا القرار بشكل عام، واستمرت المعركة لينتصر فيها الأستاذ ويعود إلى جامعة القاهرة. لكن «حسين»، رغم ذلك، لم يصف لـ«مبارك»، فعندما انتهى عقده مع جامعة القاهرة رفض تجديده، ليفصل «مبارك» من الجامعة. وقتها كتب «مبارك» كلمة شهيرة: «لو جاع أولادي لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه».
مشاركة :