لم تكن الحياة بين أدباء القرن العشرين وردية يملؤها الود دائمًا بل كانت في فترات كثيرة ملبدة بالخصام والمعارك العنيفة مهما كانت قيمة المتعاركين لكنها كانت من نوع مختلف معارك أدبيه يحكمها العقل والقلم والتأليف والإبداع فتترك أثرًا إيجابيًا في غالب الأمر.لكن في معركة طه حسين وزكي مبارك كان الأمر مختلفا فوصل الخلاف من فكري إلى خصومة تسببت في فقدان زكي مبارك وظيفته وعملها فلم ينس عميد الأدب العربي ما فعله زكي مبارك وهو طالب في جامعة القاهرة عندما هاجمه ورفض ما يقوله وهو إحياء التراث اليوناني.تعود القصة إلى عام 1919 وفقًا لما يرصده كتاب مشاهير القرن العشرين لهاني أبو الخير: «يقول ما كاد طه حسين ينتهي من محاضرته عن إحياء التراث اليوناني حتى قام الطالب زكي مبارك ليرد عليه بخطاب رائع هاجمه فيه وأثار إعجاب الطلاب لكن طه حسين لم ينس فأسقطه في امتحان الليسانس أكثر من مرة».استمرت المعركة بين طه حسين وزكي مبارك 9 سنوات كاملة رغم ما بلغه الأثنين من قيمة كبيرة لكنها في الأساس كانت أكثر عنفًا من جانب عميد الأدب العربي.زادت حدة الخلافات بين الأثنين عندما ألف زكي مبارك كتابه الهام «النثر الفنى» خالف فيه رأى المستشرقين ورأى طه حسين، ويدبُّ الخلاف بينه وبين أساتذته فى السوربون، ويصر على رأيه ويسجله فى الدكتوراه «النثر الفنى» ثم يعود إلى مصر مواصلًا الحملة على آراء المستشرقين ويصدر كتابه «النثر الفنى» ويلقى عاصفة نقدية.وكتب طه حسين عن الكتاب يقول: «كتاب من الكتب ألفه كاتب من الكتاب» رافضًا ذكر اسم زكي مبارك وهو ما دفع الأخير للرد بشكل عنيف يقول: « كنت أنتظر أن تفرح بكتابى، لأنه كما تعلم جهد أعوام طوال، ولكن خاب الظن وعرفت أنك وسائر الناس تغضب وتحقد، وكنت أرجو أن يكون عندك شىء من تسامح العلماء.تعال نتحاسب يا ناسى العهد ويا منكر الجميل، لقد مرت أعوام لم يكن يذكرك فيها بخير أحد غيرى، وهل كان فى أصحاب الأقلام من انبرى للدفاع عن طه حسين غير تلميذه وصديقه زكى مبارك. لقد ذكرتك بالخير فى جميع مؤلفاتى؟. فهل يضيع عندك كل هذا المعروف لأنى بددت أوهامك فى كتاب (النثر الفنى)؟».وتابع زكي مبارك هجومه العنيف: « لقد انكشف أمر طه حسين منذ أصدرت كتاب (النثر الفنى) فقد بيّنت أغلاطه وسرقاته، وتحديته أن يدافع عن نفسه، فتخاذلت قواه ولم يملك الجواب، وعرف الأدباء فى المشرق والمغرب أنه لا يملك شيئًا أصيلًا، وأن مؤلفاته ليست إلا هلاهيل انتزعها من كلام الناس، وأن ما يدعيه من الآراء ليس إلا صورًا ملفقة انتزعها مما يقرأ ويسمع، لأن قلمى ليس إلا محنة صبها الله على طه حسين. ولعله انتقام من الله على طه حسين».ورغم رد زكي مبارك العنيف إلا أنه وقف ودافع عن طه حسين عندما أخرجه إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء من الجامعة وكان موقفه مشهود واستمر حتى عاد طه حسين من جديد إلى الجامعة.لكن بعد عودته طه حسين للجامعة كان رده بأن رفض تجديد عقد زكى مبارك بل يفصله من الجامعة فكتب: «لو جاع أولادى لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه».
مشاركة :