يصيب الخوف الكثيرين، وتتعدد أشكاله حتى يبلغ درجة من الغرابة، فهناك أكثر من 60 نوعاً للخوف أو الرهاب، ويمكن أن نتفهم خوف البعض من المرتفعات والحشرات والأماكن المغلقة.غير أن من أكثر أنواع الخوف غرابة هو الخوف من السعادة أو الشيروفوبيا، فهل يمكن أن يصاب شخص بهذا النوع من الخوف؟، وهذا ما سوف نجيب عليه في السطور القادمة.يعتبر بعض خبراء الطب النفسي الشيروفوبيا نوعا من أشكال اضطراب القلق، الذي يعد شعورا متزايدا أو غير عقلاني من تهديد يتصوره ذلك الشخص في حالة الخوف من السعادة.ويرتبط هذا القلق بمشاركة الشخص المصاب بهذا النوع من الرهاب في الأنشطة التي يمكن أن تجعله سعيدا، ويمكن أن يتمتع المصاب برهاب السعادة بالكفاءة والذكاء.وليس بالضرورة أن يكون هذا الشخص حزينا أو فاشلا في عمله بل على العكس، وليس كل شخص يشعر بالخوف من السعادة هو مريض، طالما أن هذا الخوف لم يؤثر في حياته الشخصية.وفي العادة فإن الشخص المصاب بهذا النوع من الرهاب يكون مر بتجربة ارتبطت بحادث سعيد وكانت النهاية حزينة أو مؤسفة، فعلى سبيل المثال يعود هذا الشخص من رحلة سعيدة قضى فيها وقتا من المرح والانطلاق أو حفلة موسيقية وهو سعيد، ثم يفاجأ بخبر محزن كوفاة أحد الأقارب أو إصابة أحد الأصدقاء بمرض خطر، أو تعرضه لحادث يستلزم إجراء جراحة خطيرة. وبالتالي فإن هذا الشخص يعتاد على ربط شعوره بالسعادة بوقوع أمر سيئ له، خاصة إذا تكرر هذا الأمر أكثر من مرة معه، وفي هذا الموضوع سوف نتناول بالتفصيل الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى هذه الحالة، وطرق وأساليب الوقاية والعلاج المتاحة والحديثة. معاقبة النفس يتفق كثير من الأطباء النفسيين على أن واحدا من أهم أسباب الإصابة برهاب السعادة هو إحساس الإنسان أن الفرحة سوف يأتي بعدها حادث سلبي يفسدها، وبالتالي فإنه يتجنب كل ما يمكن أن يجعله سعيداً.وبهذه الطريقة يصبح كأنما يعاقب نفسه على الشعور بالسعادة، ويذكر المعالجون النفسيون عدة أسباب أخرى لحدوث حالة الشيروفوبيا، ومنها تعرض الشخص المصاب بهذا الرهاب في فترة سابقة من حياته لحادث صادم، سواء كان هذا الحادث عاطفياً أو جسدياً.ويمكن أن يؤدي للإصابة بهذا المرض التعرض لعدد من المشاكل والصدمات المتتالية، وهذا الأمر يجعله يربط بين اللحظات القليلة التي عاشها في سعادة وبين ما تعرض له من مشاكل.وبالتالي يعزز لديه النظرة التشاؤمية، ويجعله يخاف من السعادة حتى لا يتعرض لصدمة شديدة أخرى، ويكون الانطوائيون عرضة للإصابة بهذا المرض، وهؤلاء يفضلون في العادة القيام بالأنشطة بمفردهم، لأنهم يمكن أن يشعروا بعدم الراحة أو بالتهديد مع المجموعات الكبيرة وفي الأماكن الصاخبةكما يمكن أن يكون الأشخاص الذين يبحثون عن الكمال، ويحبون الإتقان في أعمالهم عرضة لأن يتجنبوا الأنشطة التي يمكن أن تحقق لهم السعادة، وذلك يعود إلى أنهم يعتبرون هذه الأنشطة غير منتجة من وجهة نظرهم، وهم يرون أن السعادة سمة الكسالى وغير المنتجينويرتبط رهاب السعادة بثقافة المجتمع، حيث إن هناك أشخاصا في الثقافات الغربية والشرقية يكونون حذرين من السعادة، وذلك أنهم يعتقدون أن الأمور السيئة مثل الموت والمعاناة والمرض تحدث مع الأشخاص السعداء.وعلى سبيل المثال يمكن أن ترى ظاهرة الشيروفوبيا منتشرة عند البعض بسبب النظرة التشاؤمية لديهم، وكذلك ترتبط السعادة الدنيوية باعتقاد أنها مرتبطة بالتدهور الأخلاقي والخطيئة، وينتشر اعتقاد لدى البعض عندما يضحكون يتضرعون بالدعاء بأن يصبح القادم خيراً وهي نظرة تشاؤمية وكأنه ينتظر حدوث شر بعد هذا الضحك.ونجد في الثقافة الأمريكية أن السعادة لديهم واحدة من القيم التوجيهية في حياة الناس، وما يدعو للقلق لدى الشعب الأمريكي هو الفشل في الظهور سعيدا. تتشابه مع الاكتئاب تتشابه أعراض الشيروفوبيا بشكل كبير مع علامات الاكتئاب، حيث يعاني الشخص المصاب بهذا الرهاب من العزلة الدائمة، وبالتالي فهو يتجنب أي شيء من الجائز أن يجعله سعيدا، مثل المشاركة في رحلة مع الأصدقاء أو الأسرة، بل يتعدى الأمر إلى الخوف من حدوث شيء سيئ له إذا ما شعر في وقت ما بالسعادة، ويترتب على حالة العزلة التي يحياها أن يرفض الدخول في أي علاقة عاطفية؛ وذلك لأنه يشعر أن هذه العلاقة محكوم عليها بالفشل والتعاسة في النهاية، وهو يخاف بشكل كبير من الوقوع في الصدمات العاطفية. وتجد الشخص المصاب برهاب السعادة متشائما من أبسط الأمور الحياتية، فهو دائم البكاء وخاصة إذا تعرض لشيء يجعله سعيدا، وكذلك يتجنب المشاركة في الأنشطة المرحة مثل الحفلات والأفراح والرحلات والمناسبات السعيدة.ويرفض هذا الشخص كل الفرص التي يمكن أن تحدث تغييرات إيجابية في حياته، وتسيطر على هذا الشخص بعض الأفكار والتصورات، ومنها أن محاولات البحث عن السعادة هي نوع من مضيعة الوقت، أو أن السعادة ستجعل منه شخصا سيئا.كما يعاني الشخص المصاب برهاب السعادة من عدم الاستمتاع بأشياء كثيرة في الحياة، غير أن معاناة المحيطين به تكون على نفس القدر أو أكبر منه، وخاصة إذا كان هذا الشخص المريض متزوجا، فهو بسبب هذه الحالة دائم التوبيخ لأشياء تبدو طبيعية للمحيطين بهنفعلى سبيل المثال يوبخ الأصدقاء عن انصرافهم عن العمل إلى مشاهدة مقطع فيديو على اليوتيوب، أو أحد مواقع التواصل الاجتماعي يثير الضحك فيهم، وكذلك هو لا يرى فائدة في الذهاب مع زوجته وأولاده إلى إحدى الحدائق أو التنزه في أحد المراكز التجارية.ونتيجة لحالة الاكتئاب التي تصيب المريض بالشيروفوبيا تجده منعزلا عن المحيطين به وينظر لهم نظرة ريبة وشك دائم، وهو ما يصيبهم بحالة من الإحباط نتيجة التعامل معه، وخاصة الزوجة التي يتحول لديها أجمل اللحظات معه إلى تعس وتوتر وخلافات لا تنتهي. فك الارتباط الذهني يمكن أن يحدث رهاب السعادة بسبب صدمة وقعت في الماضي، أو مأساة تعرض لها المصاب بهذا النوع من الرهاب، وفي هذه الحالة فإنه يحتاج للحصول على علاج نفسي.ويهدف العلاج في هذه الحالة إلى فك الارتباط الذهني بين الشعور بالسعادة والمأساة أو الحادث الذي وقع له في الماضي، وتشمل العلاجات المقترحة للشيروفوبيا العلاج السلوكي المعرفي، والذي يساعد المريض على معرفة مواضع الخلل في التفكير.كما أنه يحدد له السلوكيات التي يؤدي تغييرها إلى أن حدوث تحسن جيد في حالته، كذلك تفيد تقنيات الاسترخاء في تحسين هذه المشكلة وتقليل حدتها، وهذه التقنيات مثل التنفس العميق وممارسة الرياضة وتمارين اليوجا.والعلاج في هذه الحالة لا يؤتي ثماره بشكل سريع ولكن يستغرق فترة طويلة، وفيها يتم تهيئة المريض على مراحل مختلفة ومنها تعرضه في وقت لاحق لأحداث سعيدة دون أن يتردد في حضورها أو يصيبه الخوف من ذلك كنوع من مراحل العلاج، مع تذكيره باستمرار بأن ليس كل حدث سعيد يتبعه آخر سيئ، ويمكن أن يستغرق العلاج فترة زمنية طويلة لتغيير طريقة التفكير والتصورات المرتبطة بهذه الحالة، ومع استمرار العلاج يستطيع المريض القضاء على كل مخاوفه.ولا توجد عقاقير يتناولها الشخص المريض، وذلك أن رهاب السعادة لم تتم دراسته باعتباره اضطراباً منفصلاً أو بحثه بشكل كبير، مع ملاحظة أن الأشخاص الذين لا تؤثر الشيروفوبيا على حياتهم الشخصية أو العملية يمكن ألا يحتاجوا للعلاج. تعرف إلى نفسك يأتي مصطلح شيرو من أصل يوناني وهي تعني أن نفرح، وتشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى أن رهاب السعادة يصيب حوالي 6% من البشر، وبحسب عدد من الدراسات فإنه لا تتوافر إحصاءات دقيقة عن مدى انتشار هذه الحالة من الخوف، وعدد الأفراد الذين يمكن أن يتطور لديهم شعور الخوف من السعادة بشكل تدريجي، بحيث إنهم يعتبرون أنفسهم مجرد أشخاص انطوائيين، لأنهم يرفضون حضور الحفلات واللقاءات الاجتماعية التي يكون المرح الهدف الوحيد من ورائها.ويطرح الخبراء النفسيون عدداً من الأسئلة تعتبر مقياساً مقترحاً للشيروفوبيا، ويستطيع كل واحد من خلال الإجابة عنها التعرف إلى نفسه، وهل هو مصاب بهذا النوع من الخوف أم لا؟والأسئلة تدور حول هل تخاف السماح لنفسك بأن تصبح سعيداً للغاية؟ هل تظن أنك لا تستحق أن تكون سعيداً؟ هل ينتابك شعور بأن أمراً سيئاً يمكن أن يقع عندما تشعر بالسعادة؟ إذا كانت الإجابة عن أحد الأسئلة بالإيجاب فهذا مؤشر على وجود حواجز يضعها الشخص تحول بينه وبين السعادة.
مشاركة :