رُهاب السعادة بقلم الدكتور الأسمري

  • 2/6/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

من اهم الامور في حياة الانسان هو البحث عن كل الوسائل التي تحقق له مبتغاه و تغمرة بذلك الاحساس المنعش الجميل و هي السعادة التى تجعل روحة صافية و تضفى الحيوية على يومة و حياتة فهل يمكن ان تكون هذه اللحظات السعيدة في حياة الانسان مصدر تعاسة نفسية له .. هذا ما جعلني اكتب في هذا الموضوع إذ يُعد أحد أهم أسباب او سمات هذه الحالة هو شعور الشخص بأن السعادة يليها حدث سلبي يفسدهاوهو مايسمى برهاب السعادة (شيروفوبياCherophobia) ، لذا فهو يتجنب كل ما يمكن أن يجعله سعيدا. كما لو كان عقابا لنفسه ضد الشعور بالارتياح. ولم يهمل الفلاسفة هذا الجانب رغم ان اقوالهم تخالف جيم رون إذ يرى أن (السعادة ليست شيئا تريد تأجيله للمستقبل, السعادة هي شيء تريد أن تشعر به الآن.) إذ أن السعادة من منظور إسلامي تتمثل في قيم الدين التي أنعم الله بها على عبادة المؤمنين في الدنيا قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم. ولعل في إيراد بعض الشواهد من الاحاديث النبويه ما يسلط الضوء على اهمية السعادة لحياة الانسان ومنها هذا الحديث الذي هو من جوامع كلمه – صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ، وَأَرْبَعٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ: الْجَارُ السُّوءُ، وَالْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ الضَّيِّقُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوء»،حيث إنه جمع بين الإشباع النفسي والمادي للفرد، ومعناه أنّ حصول هذه الأمور للعبد من أمارات سعادته، وفقدانها من شقاوته ومن اسباب السعادة التي دلت السنة النبوية عليها ما ورد عن عبدالله بن محصن الخَطمي رضي الله عنه ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ -أي في نفسه وعياله- مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ-أي جُمعت- لَهُ الدُّنْيَا ) .الترمذي(٢٣٤٦). -وعند ابن منظور صاحب " لسان العرب" السعد - اليمن، والسعادة : خلاف الشقاوة،وقد سعد يسعد سعدا وسعادة، فهو سعيد:نقيض شقي .. الخ ونفهم من هذه الدلالات اللغوية أن السعادة نقيض الشقاء والبؤس والنحس، وأنها بمعنى الرضى والبركة والخير والنماء واليمن والارتواء والإشباع، وتحيل كذلك على المساعدة والعمل والأساس والتعاون. وبهذا، تكون السعادة هي تحقيق اللذة والخير عن طريق التدبير والعمل المثمر والتعاون الجماعي. ولهذا نجد أن السعادة من أهم المحاور التي انشغل بها الفكر الإسلامي إضافة الي ماعداها من القضايا . والسعادة هي سعـــادة الجسد والروح وسعادة العقل وسعادة القلب بشكل متكامل وهي مطلب حياتي وجودي له اهميته ، وربما ان البعض نظر الي جانب وترك الآخر فكان سببا في قصور نظره فمثلا نجد البعض يطلع على زاد المعاد(ص 1686 / 2628)إذ يقول ابن القيم رحمه الله ....منعت طويلا، وما ملأت دارا خيرة إلا ملأتها عبرة، ولا سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوم شرور، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: " لكل فرحة ترحة، وما ملئ بيت فرحا إلا ملئ ترحا " وقال ابن سيرين: " ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء ". وقالت هند بنت النعمان: لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكا، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا، ونحن أقل الناس وأنه حق على الله ألا يملأ دارا خيرة إلا ملأها عبرة. وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها فقالت: " أصبحنا ذا صباح وما في العرب أحد إلا يرجونا ثم أمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا ". وبكت أختها حرقة بنت النعمان يوما، وهي في عزها فقيل لها: ما يبكيك لعل أحدا آذاك؟ قالت: لا ولكن رأيت غضارة في أهلي، وقلما امتلأت دار سرورا إلا امتلأت حزنا. قال إسحاق بن طلحة: دخلت عليها يوما فقلت لها: كيف رأيت عبرات الملوك؟ فقالت: ما نحن فيه اليوم خير مما كنا فيه الأمس، إنا نجد في الكتب أنه ليس من أهل بيت يعيشون في خيرة إلا سيعقبون بعدها عبرة، وأن الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إلا بطن لهم بيوم يكرهونه ثم قالت: فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصف فأف لدنيا لا يدوم نعيمها ... تقلب تارات بنا وتصرف) وهذا للاعتبار وعدم الاغترار بالدنيا والانغماس في اللهو الذي يطغى على حياة المرء وينسيه ذكر ربه ولهذا يذهب أحمد بن مسكويه (320-421هـ) (إلى أن الذين يربطون حياتهم فوق هذه البسيطة بالمتع المادية وإتيان الملذات الدنيئة وإمتاع النفس الحسية فهم أشبه بالحيوانات التي لاتعرف في هذه الحياة إلا بإرواء أجسادها وإشباع رغباتها) وأما التخوف من السعادة فهذا مرض وقد تعرضت له كتب علم النفس الحديثه .. بل إن -ابن تيميه رحمه الله-يقول : "وإذا أفضى الحزن إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر الله ورسوله به كان مذموماً عليه من تلك الجهة وإن كان محموداً من جهة أخرى". انتهى كلامه. وإذا كانت مطالب الدنيا من اسباب السعادة لا الخوف منها ( شيروفوبيا) فإن الفارابي يرى أن السعادة لاتكون بالمنافع الحسية ولذة التملك ، بل بالفلسفة التي ننال بها السعادة والكمال والفضيلة الكلية الكبرى( مع تحفظي على قصور رؤيته وحصرها على العقل فقط)وهو مجال واسع في السجال بين من حصر السعادة في العقل وممارسة الحكمة واهمال النقل ... الخ يضاف الي ذلك هل السعادة في الانعزال ام المخالطة المجتمعيه ووالخ وأرى ابن مسكوبه صب جام غضبه على اهل العزلة والانطواء يقول (كيف يؤثر العاقل لنفسه التفرد والتخلي وتعاطي مايرى الفضيلة في غيره؟ فإذا، القوم الذين رأوا الفضيلة في الزهد وترك مخالطة الناس وتفردوا عنهم، إما بملازمة المغارات في الجبال، وإما ببناء الصوامع في المفاوز، وإما بالسياحة في البلدان. لايحصل لهم شيء من الفضائل الإنسانية... وذلك أن من لم يخالط الناس ويساكنهم في المدن لاتظهر فيه العفة ولا النجدة ولا السخاء ولا العدالة، بل تصير قواه وملكاته التي ركبت فيه باطلة لأنها لاتتوجه لا إلى الخير ولا إلى شر، فإذا بطلت ولم تظهر أفعالها الخاصة بها صاروا بمنزلة الجمادات أو الموتى من الناس) ليشرح لنا ضد ذلك الفارابي في كتابه" آراء أهل المدينة الفاضلة إذ يرى ( أن السعادة لاتتم إلا بالمدينة وتدبيرها على أحسن وجه ، والمدينة أعم من الاجتماع وأحسن منه، وإذا تحققت المدينة الفاضلة تحققت السعادة، والمدينة الفاضلة هي التي تنبني على الإعماروالعمل الجاد والاجتماع الفاضل والتمدين والتعاون والتدبير الحسن ..) ولهذا فإن المشاركة في المناسبات والجلسات التي يتخللها الفرح المنضبط بالشرع واحكامه من اسباب الالفة والسعادة وفي الحديث (المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف) قال المناوي في شرح قوله: (المؤمن يأْلَف)قال: (لحسن أخلاقه وسهولة طباعه) و(قال الماورديُّ: بيَّن به أن الإنسان لا يُصْلِح حاله إلَّا الأُلْفَة الجامعة) وقال صلى الله عليه وسلم: (النَّاس معادن كمعادن الفضَّة والذَّهب، خيارهم في الجاهليَّة خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنودٌ مجنَّدة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) قال ابن حجر: (قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت، ويحتمل أن يراد الإخبار عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجسام وكانت تلتقي فتتشاءم، فلما حلت بالأجسام تعارفت بالأمر الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم) إن (الرهاب من السعادة يعتبر ضد الفأل وحسن الظن بالله الذي هو من الأمور التي ينبغي على المؤمن أن يحافظ عليه، لإنه يعطيه دافعًا للعمل والتقدم إلى الأمام، فإن المتفائل عنده أمل أن يكون حاله في مستقبله خيرًا من يومه )روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: "يُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ"[3]. وروى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَتَفَاءَلُ وَلَا يَتَطَيَّرُ، وَيُعْجِبُهُ الاسْمُ الْحَسَنُ"[4]. ولعلي اختم بأن التفاؤل من السعادة قال ابن الأثير: "التفاؤل مثل أن يكون رجل مريض فيتفاءل بما يسمع من كلام فيسمع آخر يقول: يا سالم، أو يكون طلب ضالة فيسمع آخر يقول: يا واجد، فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه ويجد ضالته" لهذا فإن رهاب السعادة يعتبر من تلك المداخل التي يستغلها الشيطان ومنها كل ماهو ضد سعادة المؤمن ومنها : "الحزن" .. فالشيطان يسعى دائمًا لإدخال ابن آدم في حالة من الحزن يتبعها اليأس والقنوط من رحمة الله والاعتراض على قضاءه وقدره، يقول تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. واخيرا فإن من حسن الظن بالله إتباع ما شرع من اسباب السعادة في الدنيا لتكون لنا عونا على عبادته وطاعته وان تتخلل ساعات حياتنا شىء مما يعود بالراحة للنفس بين الحين والآخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فُرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة)ثلاث مرات؛ رواه مسلم اتمنى للجميع طمأنينة النفس وراحة البال ومن كان قاصدا الاخرة وهي دار السعادة فهل يكون السبيل اليها الا سعيدا لهذا في الختام انصح بقراءة كتاب العلامة ابن القيم رحمه الله "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة"، وهو كتاب اسمه موافق لمسمَّاه، فيه الكثير من الفوائد والله الموفق والهادي .

مشاركة :