بعيدا عن تقييم الزيارات السياسية في إطارها الدبلوماسي، نجد أن زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز الجارية للولايات المتحدة، نجحت في إضفاء مشهد مؤثر في مسار العلاقات السعودية الأمريكية، وربما تصويبها لتكون على القدر اللائق بدولتين لهما ثقلهما المتنوع بشكل أو بآخر من جهة، ومن جهة أخرى بما يجب أن يكون متناسبا مع هذا الرصيد الضخم من علاقات تاريخية ومتجذرة. صحيح أن «السياسة» وتوافقاتها - خاصة تلك التي تتعلق بالملفات المتشابكة - تأتي محط أنظار الجميع في التقييم العام، لكن الملاحظة الجديرة بالانتباه، هي أن «اقتصاد المصالح» إذا جازت التسمية كان محور الأضواء المركزي في مسار المباحثات التي أجراها سموه مع كافة المسؤولين وصناع القرار الاقتصادي والاستثماري في الولايات المتحدة. وإذا كانت الولايات المتحدة، قطبا عالميا أوحد الآن، إلا أن المملكة شريك إستراتيجي رائد في مكافحة الإرهاب والتطرف العالمي، كما أنها إحدى صخور مواجهة التوسع الإيراني وتهديداته في المنطقة، إلا أنها أيضا مركز ثقل اقتصادي لا يستهان به إقليميا وعالميا، وهما صفتان نادرا ما تتجمعان في دولة واحدة، لذا كانت مكانة المملكة الدولية المستحقة بهذا الشكل من التأثير في كافة المحاور والتطور على معظم المستويات. هذا التلاقي السعودي الأمريكي، يضعنا أمام محطة جديدة من التحركات المشتركة، ربما تغير مسار الأحداث الإقليمية وإعادة التوازن إليها في غضون أشهر قليلة، وفي نفس الوقت تنعكس بجدية على مجريات الطموحات «البينية» لما يهم البلدين والشعبين الصديقين، على أسس تبادل المنافع، وهذا ما نجح الأمير محمد بن سلمان في تثبيته خلال كل جولاته ومناقشاته ولقاءاته مع المسؤولين الأمريكيين، بدءا من رأس الإدارة الرئيس ترامب، وليس انتهاء بمراكز الثقل السياسي والاقتصادي هناك. ولهذا يكون الاهتمام الكبير بجولة ولي العهد في أمريكا ونتائجها المرتقبة والمتوقعة، جزءا مهما من المشهد السعودي الحاضر بقوة، والذي يضفي كثيرا على مسارات العلاقات المشتركة مع أقوى قوة عالمية، وربما ستكون توابعها الإقليمية أكثر إثارة في الأيام المقبلة، خاصة ما يتعلق بجهود مكافحة الإرهاب، وأبرزها البيان القطري الأخير والذي يعتبر اعترافا ضمنيا بالتورط مع الكيانات الإرهابية التي طالما أنكرها طويلا، خاصة بعد المقاطعة الرباعية. الحديث عن مكتسبات الزيارة يبدو مبكرا، ولكن ثمارها بدأت مرحليا، حتى قبل أن تنتهي، وما يهمنا كسعوديين، أن نحقق رؤانا وإستراتيجياتنا ومصلحة شعبنا في المقام الأول، وقد نجح الأمير محمد بن سلمان في إرساء ذلك بامتياز.
مشاركة :