مهمات صعبة بانتظار الرئيس الجديد لـ «الاحتياطي الفيدرالي»

  • 9/12/2013
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ينظر حاليا إلى قرار الرئيس الأمريكي باختيار رئيس جديد للبنك المركزي الأمريكي الاحتياطي الفيدرالي على أنه من أهم القرارات الاقتصادية على الإطلاق في 2013، ويعود ذلك إلى طبيعة الوضع الحرج الذي يمر به الاقتصاد الأمريكي، بما يجعل من عملية اختيار الشخص المناسب لهذا المنصب مسألة حيوية ليس فقط لأمريكا، وإنما للأسواق المالية عبر العالم، ولكن لماذا هذا الاهتمام بشخصية الرئيس الجديد للاحتياطي الفيدرالي؟ بن برنانكي لا شك أن سير عملية صناعة السياسة النقدية واتجاهاتها سوف تعتمد على شخص الرئيس الجديد. فهناك اعتقاد حاليا بأن الاحتياطي الفيدرالي يسير في اتجاه وقف عمليات شراء السندات التي تتم في إطار ما يسمى بسياسات التيسير الكمي ربما هذا الخريف، وبالتالي تمهيد السبيل لعودة معدلات الفائدة شبه الصفرية حاليا إلى مستوياتها الطبيعية قبل الأزمة، وقد بدأت بالفعل بعض شواهد هذا التحول، حيث إنه بدأ من أيار (مايو) الماضي أخذت معدلات الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية في الارتفاع. هناك قائمة طويلة من القضايا والسياسات التي تنتظر قرارات حاسمة من الرئيس الجديد، التي على رأسها سياسات التيسير الكمي، ومعدلات الفائدة الصفرية، ومعدلات البطالة المستهدفة، ومستوى التضخم المستهدف... إلخ، وذلك لبدء تحول اتجاهات السياسة النقدية، وهو ما يجعل من فهم هذه المتغيرات وطبيعتها والعوامل المؤثرة فيها أمراً حيوياً بالنسبة لمن سيتولى هذا المنصب. أكثر من ذلك فإن وجهات نظر ورؤى رئيس الاحتياطي الفيدرالي حول بعض القضايا مثل درجة التفاعل بين السياستين النقدية والمالية، ودور الاحتياطي الفيدرالي في عمليات تنظيم القطاع المصرفي، التي يمكن أن يترتب عليها تغير جوهري في صناعة السياسة النقدية في الولايات المتحدة، تعد مهمة. فمع حلول عام 2008 واشتعال الأزمة حرص الاحتياطي الفيدرالي على خفض معدلات الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر، وعندما لم يستجب الاقتصاد الأمريكي تم اللجوء إلى استخدام أدوات غير التقليدية مثل التيسير الكمي، حيث قام الاحتياطي الفيدرالي بشراء الأنواع المختلفة من السندات من المصارف لزيادة عرض النقود بهدف زيادة حجم السيولة لرفع مستويات التوظيف، فقد بلغت ميزانية الاحتياطي الفيدرالي قبل الكساد العظيم الحالي نحو 900 مليار دولار فقط، اليوم أدت سياسات التحفيز النقدي بأشكالها المختلفة إلى زيادة حجم الميزانية بأكثر من ثلاثة أضعاف إلى 3.3 تريليون دولار. غير أن التوسع النقدي صاحبه تزايد حجم الاحتياطيات الزائدة للمصارف من 45 مليار دولار فقط في 2007 إلى 1.9 تريليون حاليا، الأمر الذي يعكس ظاهرة مصيدة السيولة، حيث فضلت المصارف الاحتفاظ بأموالها في صورة سائلة لدى الاحتياطي الفيدرالي بدلا من إقراضها وتحمل مستويات مرتفعة من المخاطر، الأمر الذي ساهم في تعميق أثر الأزمة والحد من الآثار الإيجابية للتيسير الكمي، فقد أدى هذا الإجراء من جانب المصارف إلى معادلة تأثير السياسات التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي لزيادة السيولة، بتحويلها إلى مودعات لديه مرة أخرى. وكان الاحتياطي الفيدرالي قد كشف أكثر من مرة عن استراتيجيته للخروج من سياسات التوسع النقدي، في أعقاب الاتهامات له بدفع الاقتصاد الأمريكي نحو التضخم الجامح، ولكن المهندس الأصلي لاستراتيجية الخروج سوف يتخلى عنها ليتم تطبيقها من خلال رئيس جديد، عليه أن يتولى بعناية فائقة مهمة التخلص من تريليونات الدولارات من السندات بدون أن يؤدي ذلك إلى رفع معدلات الفائدة حتى لا تتأثر جهود استعادة النشاط الاقتصادي بصورة سلبية، وليس فقط ذلك، وإنما عليه أن يراقب التضخم ويتابع في ذات الوقت معدلات البطالة، إلى آخر هذه المتغيرات الحرجة، لذلك فإن مهمة الرئيس المقبل للاحتياطي الفيدرالي لن تكون سهلة، حيث يجب عليه تفكيك هذه التشابكات المعقدة. فهل سيستمر الرئيس الجديد في انتهاج سياسات متسقة مع السياسات التي اتبعها برنانكي لتقوية تعافي النشاط الاقتصادي للولايات المتحدة واستكمال رحلة الخروج من الكساد العظيم الذي يعيشه الاقتصاد الأمريكي منذ 2007؟، أم أنه سيسلك سبيلا آخر للخروج من الكساد؟، الإجابة على هذا السؤال تعتمد على من سيكون الرئيس الجديد. يفترض أن يختار أوباما هذا الشهر من سيحل محل برنانكي الذي تنتهي مدة رئاسته في آخر كانون الثاني (يناير) المقبل، وقد طلب بعض المراقبين من أوباما توسيع نطاق البحث بين الشخصيات المؤهلة، لكي تتولى هذا المنصب الرفيع، نظرا للآثار الخطيرة المتوقع حدوثها من تغيير من سيجلس على كرسي رئيس الاحتياطي الفيدرالي على مسار التعافي الاقتصادي الأمريكي، وتتعدد التخمينات حاليا حول شخصية الرئيس الجديد، فقد أعلن أوباما أن وزير الخزانة السابق لورانس سمرز، وكذلك نائبة رئيس الاحتياطي الفيدرالي الحالية جانيت يلين مؤهلين للوظيفة، ولكنه يركز في ذات الوقت على آخرين مؤهلين أيضا مثل دون كون. بحكم منصبها فإن جانيت يلين معروفة بتوجهاتها التشجيعية لسياسات الفائدة الصفرية، وسياسات التيسير الكمي التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي حالياً، وهو ما يشير إلى أنه في حالة اختيارها سوف تسير على النهج نفسه الذي سار عليه برنانكي، وعلى الرغم من أنه من أقوى المرشحين للمنصب لا توجد شواهد قوية يمكن الحكم من خلالها على وجهة نظر سمرز حول الاتجاهات المستقبلية للسياسة النقدية، ومدى تأييده للسياسات الحالية التي ينتهجها برنانكي، ومن هذا المنطلق ربما يترتب على اختياره تأثيرات على الأسواق المالية في العالم، على الأقل لفترة حتى تتضح رؤاه التي سيتبناها. ومن ناحية أخرى فإن دون كون معروف باتجاهاته المعارضة لسياسات برنانكي، وقد أعرب عن ذلك في العديد من الخطب التي ألقاها حول قدرة الاحتياطي الفيدرالي على توقع ومعالجة الأزمات المستقبلية، وقد ركز أكثر من مرة على أهمية استخدام السياسات المالية في معالجة الفقاعات السعرية بدلاً من السياسة النقدية، وعلى الرغم من أن خبراته الأساسية في مجال صناعة السياسة النقدية وتنظيم القطاع المصرفي، فإن عملية صناعة السياسة النقدية قد تشهد تحولا جوهريا على يديه. لذلك يمكن القول إنه من الآن وحتى تتم عملية تسمية الرئيس الجديد للاحتياطي الفيدرالي سوف تستمر ظروف عدم التأكد حول الاتجاهات المستقبلية للسياسة النقدية الأمريكية، وتستمر معها حالة عدم الاستقرار التي تلف الأسواق وأسعار الأصول بصفة خاصة الذهب، وإلى أن تتضح الرؤية، ربما نشهد المزيد من حالات التقلب والمرشحة، لأن تستمر حتى بداية العام المقبل إذا تأخرت عملية تسمية رئيس الاحتياطي الفيدرالي الجديد.

مشاركة :