صفقة القرن أم كارثة القرن؟

  • 3/30/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بينما ننتظر «صفقة القرن» للرئيس ترامب، هناك الكثير من التلميحات حول ما قد تشمله او لا تشمله هذه الصفقة. وقد اوردت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا عما تعتقد أنه الشكل النهائي للصفقة. وقيل إن البيت الأبيض أطلع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على تفاصيل الاتفاق، وانه أطلع الرئيس الفلسطيني محمود عباس والعاهل الأردني الملك عبد الله على محتوياته. ورشح ان القادة الفلسطينيين والأردنيين منزعجون بشدة مما سمعوه. ولكن كل ما يدور حتى الان هو مجرد تلميحات وتكهنات واشارات على خيبة الأمل و/ أو الرفض. وفي حين قد يكون من السابق لأوانه الحكم على عمل كوشنر- غرينبلات، فانه ليس من السابق لأوانه تقديم بعض التحذيرات المبكرة أو الملاحظات التحذيرية لتحديد شروط ما قد يكون مقبولاً، وما هو غير مقبول، والاستعداد لردود الفعل الطويلة والقصيرة الأجل التي من شأنها أن تصوغ ردود الفعل الإقليمية. ولأن الولايات المتحدة ستفتح سفارتها في القدس رسمياً يوم 14 مايو، يجب النظر في وضع المدينة المقدسة. وبصرف النظر عما كان ترامب يقصده عندما قال إنه من خلال «سحب القدس من على الطاولة»، فإنه قد خلق «فاتورة مستحقة» تسمح له بانتزاع تنازلات مستقبلية من الإسرائيليين، فان الأجواء ليست كذلك في إسرائيل. فبينما يواصل الفلسطينيون الإصرار على أنهم سيجعلون من القدس الشرقية عاصمة لهم، يبدو ان إسرائيل عازمة على جعل هذه النتيجة مستحيلة. لقد تشجعت حكومة نتانياهو كثيرا، من إعلان ترامب، وتحركت من اجل تكريس ما يسمونه «القدس الكبرى». وصادقت على بناء مساكن يهودية جديدة، بعضها في قلب الأحياء العربية في القدس الشرقية. وتمضي الخطط قدما في الكنيست من اجل اقرار تشريع فيه يهدف الى تقليل عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في المدينة. ثم هناك قضية اللاجئين الفلسطينيين. ستكون مفاجأة سارة أن تجد كوشنر وغرينبلات يقدمان حلا مدروسا وسخيا لحل هذه المشكلة التي مضى عليها سبعة عقود، لكنني لا أحبس أنفاسي. فحتى الآن، لم يأت أحد على ذكر اللاجئين. وتتم الاشارة الى القضية بشكل حصري تقريباً على أنها «مشكلة ديموغرافية» لإسرائيل (ففي النهاية كان السبب لطرد الفلسطينيين، في المقام الأول، لإعطاء الدولة الجديدة المزيد من الأراضي والقليل منها للعرب). وفي الواقع، فان قضية اللاجئين أكبر من ذلك بكثير. إنها مسألة حقوق الملكية والعدالة وحق اللاجئين المعترف به عالمياً في العودة إلى ديارهم. لقد تمسك الفلسطينيون على مدى جيلين بـ«حق العودة». وسوف تولد «الصفقة» ميتة إذا ما حاولت – بجرة قلم – أن تتجاهل هذا التطلع الفلسطيني الراسخ. وبينما تدعي إسرائيل أنها لا تستطيع (أو أفضل، أنها لن تفعل ذلك) استيعاب اللاجئين، لا يمكن للمرء أن يستبعد الأثر الذي سيحدثه إلغاء «حق العودة» على اللاجئين الفلسطينيين في المنفى والتحديات التي ستشكلها على الاستقرار المستقبلي للأردن ولبنان – ناهيك عن مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة الذين يحتفظون أيضاً بحلم العودة إلى ممتلكاتهم خلف الخط الأخضر. قد لا تلقي إسرائيل بالاً للعواقب التي ستترتب على المنطقة جراء تجاهل حق العودة، لكن يتعين على الولايات المتحدة النظر في هذا العامل. لقد كانت إدارة ترامب حذرة في ما يتعلق بموقفها تجاه دولة فلسطينية. ومن جانبه، قال الرئيس إنه منفتح على دولة واحدة أو دولتين – أيا كانت النتيجة التي يقبلها الطرفان. ومع وجود 700 الف مستوطن إسرائيلي في مواقع استراتيجية في جميع أنحاء الضفة الغربية، متصلة بطرق يهودية فقط، أصبح من الصعب تخيل كيف يمكن أن يحدث الانفصال لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتصلة. فبينما يصر الفلسطينيون على حقهم في إقامة دولة مستقلة، فإن الإسرائيليين، بمساعدة الكونغرس الأميركي، ينتهجون سياسات تجعل مثل هذه الدولة مستحيلة. وتضغط حكومة نتانياهو من أجل ضم المناطق وتشريع في الكونغرس يتعامل مع «إسرائيل والمناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية» ككيان واحد. وإذا فشل كوشنر – غرينبلات في معالجة المشاكل التي يطرحها: الجدار (الذي بني معظمه في الأراضي الفلسطينية) و المستوطنات والطرق ومطالب إسرائيل غير القابلة للتفاوض للاحتفاظ بالسيطرة على غور الأردن وعلى الحدود والأمن العام في المناطق، فإن النتيجة الوحيدة الممكنة هي حل الدولة الواحدة أو دولة الفصل العنصري. وستكون النتيجة بمنزلة استمرار غير مقبول للاحتلال. وهو ما يرفضه الفلسطينيون رفضا قاطعا. ويعول الاميركيون كثيرا على حقيقة أن «صفقة القرن» ستشمل قبولاً أوسع من الدول العربية الرئيسية، مع أمل إسرائيل في أن تتمكن من تحقيق الهدف النهائي لمبادرة السلام العربية، أي التطبيع، من دون دفع الثمن. هذا في أحسن الأحوال، وهم خطير والسعي وراءه هو مجرد حماقة. صحيح أن العالم العربي يواجه تحديات كبيرة من تهديد التطرف إلى الخطر الذي تشكله إيران. وصحيح أيضاً أن الكثيرين أصبحوا يشعرون بالقلق من حالة الشلل في الوضع الفلسطيني وغياب الرؤية لدى قيادته. لكن من الخطأ الفادح أن نفترض أن هذا يترجم إلى عدم وجود دعم للقضية الفلسطينية. تبقى فلسطين «الجرح في القلب العربي الذي لا يشفى». وعندما ينزف الفلسطينيون، ينزف «الشارع العربي» معهم. ولا يمكن ترجمة الخوف أو الكراهية لإيران إلى حب لإسرائيل، إلا إذا حصل الفلسطينيون على حقوقهم العادلة. إن الضغط على الزعماء العرب لتجاهل هذه الحقيقة العميقة لن يؤدي إلا إلى تزويد كل من إيران والحركات المتطرفة بفرصة لاستغلالها مسببة المزيد من عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة. هناك بعض «التحذيرات المبكرة» الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار أيضا. فعلى الرغم من الضجيج والتوقعات التي تم إنشاؤها، فقد لا يكون هناك صفقة على الإطلاق. وقد يكون الامر اشبه بـ«رقصة كابوكي»، وهذا يعني الكثير من الحركة المصممة لخلق وهم التقدم من أجل كسب الوقت، في حين يتم تحقيق أهداف أخرى. ثم هناك سيف معلق فوق رؤوس المشاركين الرئيسيين في هذا التمرين. في هذه المرحلة، لا نعرف ما إذا كان ترامب أو نتانياهو سينجو من التحديات القانونية التي يواجهانها. وأخيرا، يجب أن نفكر في كيفية تأثير «مسيرات حق العودة الفلسطيني» على الوضع في الأراضي المحتلة والقيادة الفلسطينية. هناك الكثير على المحك والكثير من المخاطر. فإذا لم يستطع كوشنر-غرينبلات التعامل بشكل صحيح مع هذه القضية، فإن «صفقة القرن» يمكن أن تتحول إلى «كارثة القرن». * رئيس المعهد العربي ـــ الأميركي في واشنطن. * تنويه: وجهات النظر والآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء المؤلف، ولا تعكس بالضرورة موقف المعهد العربي ـــ الأميركي؛ فالمعهد منظمة غير ربحية وطنية غير حزبية لا تؤيّد المرشحين. د. جيمس زغبي*

مشاركة :