ما تزال توجد جماعات منغلقة في المجتمع، تركن عقولها في أدراج قديمة، رافضة كل تغيير وما هو جديد، تارة باسم الدين، وتارة أخرى باسم العادات والتقاليد. ليست هنا المشكلة، فهذا رأيهم وشأنهم وحدهم، ولكن المشكلة أنهم يصرون على فرض أفكارهم على كل من يختلف عنهم، شاحذين كل هممهم بفرض الوصاية المجتمعية والدينية، ومصادرة حق الاختيار، وبتحديد مسطرة لقياس الأخلاق والتدخل في شؤون حياة غيرهم من الناس. هم غالبا يذودون عن الدين بالإساءة الى الدين لفظاً وسلوكاً، ويدافعون عن الأخلاق بانحدار الأخلاق. كل من يخرج عن قطيعهم الاجتماعي والديني هو منحل، ساقط، فاسق، كافر، ملحد. ولك من التهم والقذف والنبز بالألقاب ما شئت. فمقارعة الحجة بالحجة، والفكرة بالفكرة، واستخدام العقل والحوار كوسيلة ليست من خصالهم، يستخدمون الهجوم كأسهل وسيلة للدفاع، بنبرة حادة متعالية، قائمة على خلط الأمور، ونشر صور خاطئة عن كل من يختلف عنهم، وصلت بهم الى محاربة حفل غنائي خيري، لأن طريقة التبرع ليست على هواهم، ويبدو من باب قد تتحول عنهم الجماهير وتفلت بيزات التبرعات إلى غيرهم، قساة، غلاظ القلوب، حتى عند فعل الخير! في ظل اندحار التشدد الديني والمد الصحوي في المنطقة، وتلاشيه الذي نراه قريباً، يجاهد حراسه في الكويت للبقاء، ليبدو بذلك احتضاراً مثيراً للشفقة، كأن يخرج للمجتمع على شكل خطبة جمعة ملأى بالاتهامات والقذف لشريحة من أفراده، ممن يحملون رؤى دينية أو أفكاراً عقائدية تختلف عن نهجهم التقليدي المتحجر بلا تجديد ومواكبة لمجريات العصر المتسارع. ولا أحد يغفل عن الإساءة برجم النساء من غير المحجبات ضمنياً بالانحلال والانسلاخ من العفة، وتشبيه اختيارهن بعادات الكفار، علماً بأنه تم حذف الفقرة المسيئة في الخطبة المنشورة في موقع الوزارة بعد انتفاضة الناس، نساءً ورجالاً، مما يدل على ضعف الموقف والاعتراف بالخطأ، أو هو خوف من عواقب الإساءة. تعدى الهجوم إلى وصم قوانين الفيزياء ودورات الطاقة وممارسة اليوغا بالكفر، لنعيش بهذا عصر ظلمات من نوع جديد، وكأن العالم يجتر نفسه، ولكن في بقعة جغرافية مختلفة. القضايا الفكرية الاجتماعية لا تقل أهمية عن غيرها من القضايا، فهي إحدى الركائز التي يقوم عليها بناء العقل التربوي وأخلاقيات الفرد والتعايش بين أطياف المجتمع المختلفة، وبينه وبين غيره من المجتمعات في العالم. الإساءة بحق العلم وبحق شريحة كبيرة من النساء صدرت من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أي من قبل الحكومة، الحكومة ظلت على صمتها، وكأنها تبارك الإساءة، ولم يتحرك (فعلياً) نائب واحد بهذا الشأن، وكأن النساء اللاتي أسيء إليهن من كوكب آخر! أسيل عبدالحميد أمين aseel.amin@hotmail.com
مشاركة :