فن امتطاء الموجات

  • 4/1/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

خيري منصور الفارق شاسع وجوهري بين النقد الذاتي والمراجعة بهدف التقويم وتجاوز الأخطاء، وبين الاستدارة مائة وثمانين درجة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس. وهناك مفكرون أعادوا النظر ببعض مواقفهم بحيث صنّفت أعمالهم تبعاً لمراحل العمر، كأن يقال ماركس الشاب وماركس الكهل، وهيجل في بواكيره وهيجل في سنوات النضج.وكان المفكر والناقد لوكاتش قد أشار إلى ذلك، عندما اعتذر عن مقالة مبكرة كتبها عن الشاعر طاغور، وفعل ذلك أيضاً الراحل جبرا إبراهيم جبرا حين أعاد النظر بعد عقود بما كان قد كتبه عن الشاعرين الجواهري ونزار قباني!.ويتجلى الفارق بين نقد الذات أو تطور الأفكار وبين احتراف امتطاء الأفكار وبين احتراف امتطاء الموجات، في أن من يمتطون الموجات، ويميلون حيث تميل الريح ويلبسون لكل حالة لبوسها، غالباً ما يقعون في التناقض، لأنهم يريدون أن يكونوا مع الرب والقيصر في اللحظة ذاتها، ومع الضحية والجلاد، وهؤلاء لا يظفرون بالمنزلتين أو الحسنيين بل يفقدون المشيتين، ويصابون أخيراً بالخرس ويضيع منهم النعيق والهديل معاً!.في حروب الخليج الثلاثة، عرفنا سلالة من هذه النماذج التي قالت إن الأرض تدور في الصباح، ثم عادت لتقول إنها واقفة ولا تدور في المساء.كما عرف القارئ العربي نماذج من هذه السلالة في السنوات السبع التي مضت ولم تمض، وما تزال تعاني من التباسات وقراءات رغائبية متعسفة لها!.وهذا لا يعني أن الإنسان عليه أن يتشبث بمواقفه حتى النهاية، وأن لا يراجعها بفضل تطور الوعي، لأنه لو انكفأ على ذاته يصبح دوغمائياً وحبيس شرنقة تحرمه من اختبار صحة أفكاره من خلال الاحتكاك والحوار!.والقارئ الحصيف المدرب على فرز الشحم من الورم والقمح من الزؤان والغسق من الشفق، يضبط محترفي امتطاء الموجات متلبسين بالتناقض، وبالتالي يفقدون الصدقية وتُطوى صفحتهم إلى الأبد!

مشاركة :