هند العربي تكتب: «المكارثية» السياسية والتشكيك !!

  • 4/1/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تنسب "المكارثية السياسية" لسيناتور أميركي عن الحزب الجمهوري يدعى "جوزيف مكارثي" في عقد الستينيات من القرن الماضي قام باتهام عدد من موظفي وزارة الخارجية الأميركية بالتآمر واتهامهم أنهم شيوعيون ويعملون لمصلحة الإتحاد السوفيتي السابق، جاء ذلك في ذروة الصراع بين واشنطن وموسكو وتبين فيما بعد أن معظم اتهاماته لا أساس لها من الصحة وقد بنيت على غير أساس، ومن بعدها دخل مصطلح "المكارثية السياسية" القاموس السياسي ليعبر عن حالة اغتيال الخصوم معنوياً، عبر اتهامات تطعن في شرفهم ووطنيتهم والتنكيل بهم وإقصائهم.فما نحن نعيش فيه وعليه الآن يشهد مكارثيات فكرية غير مسبوقة في حجمها، مؤججيها متعددو التوجه والفكر يترتب عليها تأثيرات عدة، فقد عادت "المكارثية" السياسية لتطل برأسها من جديد، وزاد انتشار ظاهرة التشكيك في الآخرين إلا أن أصبح التخوين سمة البشر، وإن كنّا لا ندرك ما بداخل بعضنا البعض وما يعتقد فيه العقول، وما تظن فيه من " آثم" في أفعال الآخرين ربما هناك ما هو مترسخ بداخلهم لا يرغبون في الإفصاح عنه.فهناك مقولة تقول: ‏الورقة التي لم تسقط في فصل الخريف "خائنة" في عيون أخواتها، "وافية" في عين الشجرة، "متمردة" في عيون الفصول، فالكل يرى الموقف من زاويته فقط..!أي أن كلاً منّا يترجم أفعال واتجاهات الآخرين أو عزوفهم عن اتخاذ موقف ما من وجهة نظره هو وحده وكأنه من يمتلك الحكم علي غيره، بل طال الأمر إلي التصنيف والتشكيك في معتقدات البعض منا من يري الآخر الذي لا يمثل رأيه خائنا أو عميلا أو " مطبلاتي" أو مجاملا أو حقيراً، فليس إيمانك بأفكارك الخاصة والمحدودة علي قدر فهمك وتطلعاتك للأمور وغياب الحقيقة عنك بعض الشيء كفيلة أن تجعلك تميز ما بين السيء والمميز والطالح والفاسد، وإذا تعمقت أكثر في مندرج بعض الأمور قد تتضح لك رؤية أشياء وتعقل لأوضاع غفل عقلك وحدسك عنها، فمن الناس من يتخذ موقفا ما سياسيا أو اجتماعيا أو مصيريا تري فيه انت الخيانة كانت أو حتي يحمل نوعا من -التطبيل- وفي طياته العديد من حكم الأمور التي يراها من منظوره هو فقط.وشيوع ظاهرة التخوين وسط نخب سياسية وثقافية متباينة، يكاد يتحول إلى سمة فكرية مجتمعية بالغة الخطورة، تستخدم فيها أساليب محرمة في التعامل مع الخصوم من كافة التيارات والاتجاهات السياسية، فلم تعد قاصرة على رأي وتقديرات قوى حاكمة ومؤيديها ضد معارضيهم أو العكس، بل أيضا أصبحت شائعة أو سلاحا لدى هؤلاء المعارضين في معاركهم ضد السلطة الحاكمة، أو نابعة من مؤيدين وموجهة إلى معارضينهم، فأصبح لا يوجد سلاح خطابي سوى التخوين والاتهامات، فقد اتسع انتشار هذه الظاهرة خاصة في البيئة السياسية، وتظل المسألة أشد وضوحًا في مصر، وقابلة للانتشار والتغلغل، وباتت لا تخطئها عين المراقبين، حتي بات جميع الفصائل مخطئين ولا نعلم إذن من هو علي صواب وأمين !!فالكل لم يسلم من التخوين ذلك المرض الذي أصبح يتفشي بدوره في المجتمع، وقد سبق وقد تعرضت العديد من الشخصيات لحملات تشويه تصفها بالانتماء إلى الجماعات الإرهابية تارة، واخرين من المعارضين يرون أن من يؤيد النظام والسلطة الحاكمة أو يدعمها -مطبلاتي- يركب الموجة أو -الرايجة- المهم في الأمر هو تكفير الخصوم ونعتهم بأشد النعوت، في حين أن القائل يعتقد في الخطاب أنه الخير المطلق والآخر هو الشر المطلق، أي أن يختزل في نفسه كل صفات الطهر والعفاف وفي الآخرين كل النجاسة والزندقة، وشر النفوس.كما أن هناك فصيلاً من البسطاء لا يستوجب ان ندخلهم زخم السياسة وتغيرات الأمور واللعب علي -العالي والواطي- فكل هذه التعبيرات أكبر بكثير مما يفكرون، فبعض الناس يتصرفون تصرفات عفوية في أقوالهم وأفعالهم وسلوكياتهم في الحياة، ولكن هناك من يتربص بتلك الأقوال والأفعال ويفترضون سوء النية، بل تتطور هذه النظرة إلى الظن السيئ بالآخرين عند رؤية سلوك معين، بل يذهب البعض إلى تزكية نفسه، والانتقاص من الآخرين.النهاية.. إن شيوع هذا النوع من التوجهات من الممكن ان يضرب السلم المجتمعية، حيث تتحول علاقات المجتمع الواحد من علاقات إنسانية تحكمها قيم المودة وتقبل الرأي والرأي الآخر والاحترام وحرية التعبير إلى علاقات تبنى على الريبة والشك والهواجس. فعامل الناس علي قدر عقولهم واحتسب لهم حُسن النوايا، ولا تأخذهم علي محمل التخوين، ولا تلبس الجميع أثواب القدح والجرح وتصدر الأحكام عليهم وإلصاق التهم في قاموس من التصنيفات قد لا ننتهي منه بعد، يجعل المخيال السياسي يحتوي عللا كثيرة ويستبطن خطابا تخويني وغير ديمقراطي، يدمر مجتمعاً ويشتت شمل الجميع، لذا نقول "كفانا تشكيك" !!!

مشاركة :