كشفت عملية الطرد الجماعي، للدبلوماسيين بين روسيا من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها من جانب آخر، عن «حرب الجواسيس» الدبلوماسية، والتي بلغت ذروتها بين الشرق والغرب، خلال «الحرب الباردة»، وسلّطت الضوء على ممارسة شائعة في عالمٍ خطر: زرع عملاء تحت عباءة دبلوماسية. ومع إقرار مسؤولين أمريكيين بارزين، بوجود أكثر من 100 جاسوس روسي ينشطون على الأراضي الأمريكية، و«متنكرون» بصفتهم الديبلوماسية.. فإن خبراء الأمن ( من سبق عملهم في أجهزة استخبارية) يؤكدون أن التجسس، مع ما يتصل به من أمور غامضة ومضلّلة وغير قانونية، هو ممارسة «مقبولة» دولياً، وأن كل الدول تتجسس على بعضها، وترسل غالبيتها، بل يمكن القول كلها، بينها الولايات المتحدة، جواسيس إلى دول أخرى، تحت عباءة «دبلوماسية». و«لعبة التجسس» الدبلوماسية، التي أشعلت التوتر بين روسيا والغرب، ليست جديدة، وأن غالبية الدول تمارسها، ولكن ما يثير التوتر ويؤدي إلى عملية «الطرد الدبلوماسي» المتبادل، هو المعاملة بالمثل حين انكشاف عدد الدبلوماسيين «الجواسيس»، وكلما زاد عدد «الدبلوماسيين»الجواسيس المبعدين من دولة، ارتفع عدد الجواسيس المبعدين من الدولة الأخرى.. ويؤكد المدير التنفيذي للمتحف الدولي للتجسس في واشنطن، كريستوفر كوستا، أن السفارات والبعثات الديبلوماسية استُخدمت لمئات السنين للتجسس على الخصوم، ولدى انكشاف أمر الجاسوس، يكون تتبّعه ومراقبته من بُعد أكثر فائدة من طرده، اذ إن «لعبة القط والفأر تتيح معرفة مع مَن يتواصل محلياً، ومَن هو الضابط المشرف عليه». وعندما ترسل دولة «جواسيسها» إلى دولة صديقة، تبلغها بصفتهم الدبلوماسية، ودورهم في التواصل مع أجهزة استخبارات الدولة المضيفة، ما يشكّل تبادلاً مفيداً للمعلومات، عكس الحال مع دول معادية، كما بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تبقى مهمة التجسس سرية..ويضيف المدير التنفيذي للمتحف الدولي للتجسس في واشنطن، إن ما يمنع واشنطن من طرد كل عملاء أجهزة الاستخبارات الروسية «الديبلوماسيين» المعروفين لديها، هو أنها شريكة في اللعبة أيضاً. وتشير وكالة مكافحة التجسس الأمريكية، إلى مناصب في السفارات يشغلها جواسيس، مثل مسؤولي الأمن والمسؤولين السياسيين والمتخصصين في الاتصالات، والذين غالباً ما يعملون سراً على اعتراض مكالمات هاتفية أو اتصالات إلكترونية.. وقد ازدهر العمل الاستخباراتي تحت غطاء دبلوماسي، مع انتشار آلاف الجواسيس في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، لا سيّما في أثينا، وبانكوك، وبيروت، وبلغراد، وبرلين، والقاهرة، وطهران، وفيينا، وقد تراجع مستوى التجسس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، قبل عودته مجدداً، مع نزعة إضافية في الانتقام. وكانت موسكو طردت حوالى 150 ديبلوماسياً، من 23 دولة أوروبية، بينهم 60 أميركياً، وهي الدول التي اتخذت تدابير مشابهة في حق دبلوماسيين روس تضامناً مع لندن بعد تسميم سكريبال وابنته. واتهمت الخارجية الروسية أجهزة الاستخبارات الأمريكية بمحاولة تجنيد الديبلوماسيين الروس المطرودين.. وتؤكد الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن هناك موظفين كثيرين من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إي) ووحدة التجسس التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، يعملون تحت غطاء البعثة الديبلوماسية الأميركية في روسيا، مشيرة الى انهم «يمارسون نشاطات لا تتطابق أبداً مع صفتهم الرسمية». تصاعد حرب الجواسيس، أثارمخاوف غربية من «تخريب» روسي لكابلات الاتصالات تحت البحار، أو التنصت عليها، بعد رصد تجوّل سفن روسية حول كابلات الاتصالات تحت الماء..و يشعر مسؤولون أمريكيون وغربيون بقلق متزايد من اهتمام الروس بـ400 كابل للألياف الضوئية، تمرّ عبرها غالبية الاتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية والنصية الوجيزة في العالم، فضلاً عن تعاملات مالية يومية قيمتها 10 تريليون دولار.. وقال الجنرال كورتيس سكاباروتي، قائد قيادة القوات الأميركية في أوروبا، أمام الكونغرس: «تابعنا نشاطاً للبحرية الروسية، خصوصاً لغواصات تحت البحر، لم نشهده منذ الحرب الباردة»..ومن دون الكابلات تحت البحر، سيواجه القادة العسكريون الأمريكيون صعوبة في التواصل مع جنودهم الذين يقاتلون في أفغانستان والشرق الأوسط، خاصة وأن كل هذه المعلومات تنتقل عبر ألياف زجاجية ضئيلة مغلفة في كابلات تحت البحر. الأجهزة الأمريكية، رصدت السفينة الروسية،«يانتار»، وعدد طاقمها حوالى 60 شخصاً، وكانت أخيراً قبالة سواحل أمريكا اللاتينية.. وكانت نشرة «بارلامنتسكايا غازيتا»، التي يصدرها البرلمان الروسي، ذكرت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن لدى «يانتار» معدات «مصمّمة للتتبّع في أعماق البحار» و الاتصال بكابلات الاتصالات السرية جداً، بل أن تقطعها و تشوّش على أجهزة الاستشعار تحت الماء، عبر نظام خاص».
مشاركة :