الحب أقوى من الاختلاف المذهبي

  • 4/3/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تناولت وسائط التواصل الاجتماعي (الالكتروني) تقريرًا من إذاعة بي بي سي البريطانية (23 مارس 2018) كتبته الصحفية المصرية إيثار شلبي والتي تعمل مراسلة مع هذه الإذاعة عنوانه «هل يزال الحب أقوى من الاختلاف المذهبي ؟»... وتبدأ المراسلة تقريرها بمقدمة مقتضبة بهذه الكلمات: «عندما تتعقد النزاعات السياسية بسبب الاختلافات المذهبية في مجتمع ما، فإن ذلك يضع في طريق حياة الأفراد عقبات لا نهاية لها. ولكن على الرغم من وجود مثل هذه العقبات، هناك من يمكنه التغلب عليها»... التقرير يتناول موضوع «الحب» الذي هو الرابط بين الشاب والشابة لبناء صرح لحياة زوجية سعيدة في وطن آمن ؛ ويعرض قصة واقعية أبطالها مريم الشيعية وعمر السني، وكيف أن الحب الذي يجمعهما تغلب على العقبات المذهبية التي وقفت في طريق الحب الذي يجمعهما، وبفضل وعي كل من مريم وعمر وإرادتهما القوية، وبفضل أولوية الوطن على المذهب عندهما، فإن الحب الجامع تغلب على المذهبية المفرِّقة. وهكذا استطاعت مريم مع حبيبها عمر أن يحققا أمنيتهما في حياة زوجية بإرادتهما الحرة واختيارهما الحر دون الإذعان إلى توصيات مذهبية...  تبين هذه القصة كيف أن الصراع السياسي النابع من الاختلاف المذهبي يؤثر سلبًا على حياة الأفراد في المجتمع، يؤثر سلبًا على رغباتهم الشخصية وعلى إرادتهم الذاتية، وعلى استقلاليتهم في الفكر والتعبير والاختيار، ويجعل منهم أتباعًا، أشبه بالعبيد أو القطيع، لا إرادة لهم سوى ما ترتضيه القيادة المذهبية؛ والقيادات المذهبية، بغض النظر عن وجهتها ومنبعها وأيدولوجيتها الملتوية، تنظر إلى جملة الأفراد في كيان الوطن، نظرة الراعي يكش بعصاه القطيع ؛ والعصا المذهبي أشد قسوة على القطيع البشري (أفراد الوطن) من عصا راعي القطيع الحيواني (الغنم والخراف)؛ وهذه المذهبية تسلب من الإنسان الفرد إنسانيته وتُحَرِّمُ عليه حقه في المواطنة، فإنسانيته مرتبطة بمذهبه لا بفكره ولا بكرامته ولا بدوره الاجتماعي والاقتصادي في مجتمعه، وشخصيته كفرد مرتبطة بمذهبه لا بوطنه؛ فالقيادات المذهبية، وهي تلوي معاني دينها وتمذهبها خارج الإطار العام للدين في أصله، تفرض نفسها، فرض الوصاية المعصومة من الخطأ والخلل والزلل، على أفراد المجتمع؛ ولأن في المجتمع، وبطبيعة حال كل المجتمعات، هناك مذاهب لا مذهب واحد، وهناك أديان لا دين واحد، فإن هذه المذهبية المنغلقة على ذاتها تشق المجتمع الى قطعات مجتمعية متباينة متخالفة؛ ومع بروز الأزمات العامة التي تمس كامل الوطن، والتي تقتضي تكاتف أبناء الوطن، فإن المذهبية تنظر إلى الأزمات بمنظورها (المصلحي) الخاص خارج إطار شمولية الأزمات على كامل الوطن، فتشطر الأزمات إلى تَأَزُّماتٍ مذهبية ( طائفية) بينها وبين المذاهب الأخرى؛ أو تشطرها الى تأزمات دينية، بينها وبين الأديان الأخرى... فتتصاعد من الكل وبين الكل في المجتمع الواحد أمام أزمة وطنية واحدة صرخات التخوين والتكفير، فينجرف المجتمع عن طريق حل الأزمة إلى منزلقات كارثية تمزق المجتمع وتثخنه جراحات لا سبيل الى التئامها وشفائها... وإذا ما تفحصنا المذهبية في أصلها، فإننا نشم رائحة المصلحة الذاتية للقيادات وأزلام القيادات، وليس الفكر التأويلي أو التفسيري والاجتهاد الذي نطق به بعض الفقهاء أمثال أبو حنيفة وابن حَنْبَل وجعفر الصادق وزيد بن علي زين العابدين وغيرهم، وهؤلاء وإن تباينت نتاج جهودهم الفقهية إلاّ أنهم كانوا يضعون الفقه والتباين في الاجتهاد في مكانه الديني دون المساس بمشاعر الود والمحبة بينهم في العلاقات الاجتماعية، وبكل أبعادها في الأفراح وفي الأتراح... وبيت القصيد في علاقة المذهبية البغيضة السائدة بالفقهاء الأبرياء من هذه المذهبية، هي علاقة استغلالية من أجل مصالح أنانية، لا فقهية ولا دينية؛ شأنهم شأن السياسيين الذين استغلوا اختراع العالم الفريد نوبيل للديناميت، حيث إن هذا العالم الكيمائي اخترع الديناميت من أجل الخَيْرِ، من أجل مساعدة عمال المناجم في تحطيم الصخور في جوف المناجم، ولكن السياسيين استغلوا هذا الاختراع من أجل شن الحروب ونهب خيرات الشعوب وإذلالها... هذا هو واقع العلاقة بين القيادات المذهبية والفقهاء اصحاب الاجتهادات المتباينة في الدين؛ إذًا فالقيادات المذهبية هي في موقع المستغل لتلك الاجتهادات بغية السيطرة على الناس وترويضهم من أجل مصالحهم الأنانية وليس من أجل خير المؤمنين، وهم مثل السلطات الاستعمارية التي تعتمد مبدأ «فرق تسد»، فسيادتها على الناس تقتضي تفتيت المجتمع من لحمته الوطنية وتفريغ المجتمع من روحه الوطنية ووأد مشاعر الحب والمودة بين الناس (المواطنون)... إن الحب الجامع بين الناس والوطنية الموحدة للناس هي من ألد أعداء القيادات المذهبية وأزلامهم من المنافقين والدجالين... فالسلاح الفعّال الذي من شأنه أن يشل من فاعلية وآثار هذه المذهبية، التي اصطنعتها المصالح الأنانية، هي انبعاث مشاعر الحب والمودة بين الناس (المواطنون)، ورفع الروح الوطنية واعتبارها الهوية الأعلى على جميع الهويات الأخرى... إن قصة العاشقين مريم وعمر تصب في اتجاه كسر القيود المذهبية عن عقول المواطنين ومشاعرهم... إنها قصة حب ليست كبقية القصص، إنها قصةٌ تغذي بالحبِّ الروحَ الوطنية... بمشاعر الحب الصادق وبروح من الوطنية الأمينة يستطيع المواطنون أن يستعيدوا كرامتهم الإنسانية ويحافظوا على سلامة وطنهم، ويجعلوا من المذهبية وربيبتها الطائفية تاريخًا أسود من الماضي...

مشاركة :