علاء الدين محمود انصرفت الرواية العربية مؤخراً نحو منعطف جديد، وهو بقدر ما يعبّر عن تطور كبير على مستوى السرد والتقنيات، فإنه في الوقت نفسه يعبّر عن انسلاخ عن الصيغ القديمة التي تناولها الأدب العربي سابقاً فيما يتعلق بالتعبير عن الواقع والمجتمع، فقد انصرفت تحديداً نحو التناول الذاتي لقضايا الإنسان العربي الفرد، من حيث همومه وإشكالاته اليومية المشتبكة والمنفصلة عن المجتمع، وهو تناول ينحى في ذات الوقت نحو طرح الأسئلة المتعلقة بالوجود بمحمولات فلسفية يحتشد بها النص الروائي، فتناول الفرد أو الذات يتيح على ما يبدو التحرر من ثقل المسؤولية الجماعية، والمشاريع الإيديولوجية، لتدور حول ذات معينة تبحث عن خلاصها الخاص من القيم القديمة والفساد والتشظي وكل ما يعانيه الإنسان المعاصر.هذا الجديد أوجد حالة من التمرد على نمط الكتابة الروائية القديم، متماهياً بشكل كبير مع الحالة العربية الراهنة التي تتراجع فيها الأحلام الجماعية، ليمرر النص الروائي في شكله الجديد الكثير من الأسئلة الموجهة نحو الواقع الراهن، حيث الوحدة والعزلة التي يعيشها الأفراد، وهي ربما حالة كونية لمجتمعات ما بعد الحداثة، في عصر التغوّل التكنولوجي الكبير وحياة الاستهلاك، والتباينات المجتمعية التي تزيد من حدة التفاوت بين البشر، غير أن الرواية العربية اتجهت نحو الفرد العربي تحديداً وما يعيشه من تأثيرات هذا الواقع العالمي الجديد.يبدو واضحاً أن ذلك المنعطف قد شكل تطوراً كبيراً على مستوى السرد الروائي إلى نحو أكثر واقعية وأكثر ملامسة للمشاكل، حيث تغوص الرواية في الجوانب النفسية والفكرية العميقة، رغم ميل معظم الأعمال المنتجة مؤخراً نحو اللغة الشعرية الرومانسية، لكنها كذلك تختلف من حيث التوظيف، بحيث تصبح متناسبة مع موضوعاتها، ومن الملاحظات المهمة في هذا الواقع الجديد للرواية، هو خروجها نحو فضاء المدينة، لتسلط الضوء على الفرد في هذا الفضاء المخيف الذي ينتج شخوصاً أو أبطالاً تسيطر عليهم الهواجس والخوف والقلق ومختلف أمراض العصر.يمكن أن نلحظ أيضاً أن الرواية بشكلها الجديد لا تعلن التمرد فقط على الشكل القديم من السرد، بل وكذلك على الرواية في صيغتها الغربية، بحيث تعلن عن موضوعات وسياقات وفضاءات مختلفة تنتج شخوصاً مختلفة في قضاياها ومحمولاتها الفكرية، فهذا المنعطف هو بمثابة ثورة على مستوى الأسئلة في النص الروائي العربي.أصبحت الرواية اليوم شديدة التكييف مع راهن الواقع العربي ومشتبكة معه في متغيراته التي يعيشها، وتمضي بشكل كبير نحو اكتساب المزيد من التقنيات والأساليب الجديدة، حتى تؤسس خصوصيتها عربياً وعالمياً. alaamhud33@gmail.com