كلما أوغلنا في قراءة وثائق الشيخ مبارك الصباح، حاكم الكويت فيما بين عام 1896م حتى 1915م، وجدنا أمامنا شخصية قيادية جمعت في ثناياها الشجاعة، والحنكة السياسية، وبعد النظر، والمهارة التفاوضية، والحجة الدبلوماسية، ويتبين لنا ذلك من الوثيقة التي بدأنا القراءة فيها في المقال السابق، ونكمل قراءة مضمونها اليوم في مقالنا. لقد أوضح الشيخ مبارك أن بعض العشائر التابعة له تعرضت لهجوم من قبل أتباع لحاكم حائل عبدالعزيز بن رشيد أكثر من مرة، وانه كتب للوكيل السياسي البريطاني في الكويت حول تفاصيل هذه الهجمات في حينها. كما أوضح أن مبارك بن عذبي، وهو من أقرباء الشيخ مبارك، كان يساند الهجمات على عشائر الكويت. وبعد أن أوضح ذلك أكد للإنكليز أنه "من أسباب ما اجرا ابن رشيد من الافسادات واثارت (اثارة) الفتن فالعشاير الذي هجم عليهم بن رشيد وأيضا بن عذبي، وابن طوالة هجمو على بن طوالة وابن عذبي وحصل لهم من الإنصاف". وهنا لم يتخل الشيخ مبارك عن العشائر التابعة له، ولم يقف ضدها، بل أقر أنهم هجموا على آل طوالة وبن عذبي انتقاماً للهجمات التي تعرضوا لها من قبل، وانهم استرجعوا أموالهم وممتلكاتهم المنهوبة. وهذا الموقف يعكس شجاعة الشيخ مبارك في مواجهة الشكوى الموجهة ضده من العثمانيين، والتي عرضناها قبل أسبوعين. وفيما يتعلق بطلب الإنكليز من مبارك عدم إثارة المشاكل مع الحكومة العثمانية، رد حاكم الكويت بالقول "وتأمرون بمنع الثورات التي توقع الاشكال مع مأمورين حكومة الدولة العثمانية فعلا امركم نحن مانعين وممتنعين ولا نرضا في هكذا احوال لاكن ان المأمورين المذكورين باتفاقهم من ابن رشيد هم المحركين بالفتن فعلا موجب حركاتهم المخالفة الحق والعدالة". ويمكن أن نصف الرد الدبلوماسي للشيخ مبارك على الشكوى العثمانية بأنه "قلبٌ للطاولة"، حيث أخبر بأن البادئ في إثارة الفتن والمشاكل هم أتباع بن رشيد، وأن عليهم أن يكفوا عن ذلك، لكي تتوقف عشائر الكويت عن الأخذ بحقوقها واسترداد ممتلكاتها. وأكمل الشيخ مبارك حديثه بالقول "الآن صار ابن رشيد في انزل درجة من الذل والضعف واني بذلك الوقت اعني بعد هذه الوقوعات بعشرة ايام كتبت لوالي البصرة كتاب معايدت (معايدة) لعيد شهر رمضان ولا ذكرت له عن حركات ابن عذبي وهو عندهم بالزبير ولا عن هجوم ابن رشيد وابن عمه بن طوالة على عشائرنا لاني اعرف ومحقق ان هذه الحركات وهذه الهجومات من المذكورين تحت امر مأمورين الدولة العثمانية". وأشار الشيخ مبارك إلى ما نقله أحد رعاياه، ويدعى "ناصر البوستجي"، وهو الذي ينقل البريد من الكويت إلى البصرة، من والي البصرة العثماني، الذي أبلغه أن يبلغ مبارك ان "البر ما فيه مناور"، وهو تهديد مكشوف معناه أن الإنكليز لن يتمكنوا من دعم مبارك في الصحاري والأراضي الداخلية كقدرتهم على القتال في البحر. نتوقف هنا بعد أن دللنا على قدرة الشيخ مبارك التفاوضية، وحنكته السياسية، وشجاعته في توضيح موقفه ومساندته للعشائر التابعة له.
مشاركة :