1- عوائل عراقية تمر بجوار مسجد النوري المدمر أثناء فرارهم من مدينة الموصل القديمة في 5 يوليو 2017، أثناء هجوم القوات الحكومية العراقية على مقاتلي «داعش» لاستعادة المدينة. بغداد ـ جاسم محمد * مسؤول بالاستخبارات العراقية لـ «المجلة»: تنظيم «داعش» خسر اتصالاته بين قياداته بعد خسارة مدينة الموصل. ولم يعد التنظيم قادرا على تنفيذ أي عمليات نوعية أو عمليات واسعة في العراق. * المدن العراقية خلال عام 2016 و2017 وخلال عمليات تحرير مدينة الموصل شهدت تراجعاً في الأمن عندما استطاعت خلايا تنظيم داعش أن تتحرك بمرونة بتنفيذ عمليات إرهابية في قلب العاصمة العراقية بغداد. * عودة المجموعات الإرهابية باتت مرشحة، وربما تتصاعد عمليات قطع الطرق وهجمات محدودة مستقبلا، وهذا يعني أن الأمن في العراق، يبقى غير مستقر، والتهديدات تبقى قائمة. * مصادر أمنية: الحكومة العراقية لم تعد قادرة على فرض سلطتها على المجموعات المسلحة في العراق، لارتباط هذه المجموعات بأطراف خارجية إقليمية أبرزها إيران. * شهادات من داخل العراق خاصة لـ «المجلة»: العراقيون لا يشعرون بحماية الدولة جراء صعود كفة العشائرعلى حساب الحكومة إلى جانب الجماعات المسلحة التي تسيطر على الشارع والمجتمع العراقي. * تاريخ الجماعات المتطرفة في دول المنطقة، يكشف أن هذه التنظيمات لديها القدرة على التخفي والظهور من جديد. منذ عام 2003. في أعقاب تغير النظام السياسي السابق في العراق، والأمن يعاني من معضلة حقيقية، ربما لم تحل بعد رغم ما حققته مؤسسات الدفاع والأمن من إنجازات ميدانية بتحرير المدن والقرى العراقية خلال عام 2017 التي كانت تقع تحت سيطرة تنظيم داعش منذ عام 2014. أهمها مدينة الموصل، ومدن غرب العراق: صلاح الدين وكركوك والأنبار وديالى، ومدن أعالي نهر الفرات: راوة وعانة وكبيسة وحديثة وبحيرة الثرثار. وعند مراجعة ملف الأمن في العراق، نجد أن الأمن لا يسير بخط متوازٍ واحد، بل هناك مستويات متباينة جدا. في الوقت الذي تستطيع به قوات الأمن في العراق، بقيادة جهاز مكافحة الإرهاب أن تقود عمليات تحرير المدن واستعادتها من قبضة داعش، باعتماد، تقنيات حديثة مدعومة من قوات التحالف الدولي وربما مستشارين من بعض الدول الأوروبية، أبرزها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، نجد الأمن داخل المدن العراقية يتعرض إلى الخروقات وإلى التراجع. المدن العراقية خلال عام 2016 و2017 وخلال عمليات تحرير مدينة الموصل شهدت تراجعا في الأمن عندما استطاعت خلايا تنظيم داعش أن تتحرك بمرونة بتنفيذ عمليات إرهابية في قلب العاصمة العراقية بغداد. رغم أنه كان متوقعا، أن تنظيم داعش كان يهدف من وراء هذه العمليات خارج معاقله لتخفيف الضغوطات العسكرية عليه على معاقله، لكنها كانت توصف بالخروقات الأمنية والتراجع الأمني. تباين بين مؤسسات الأمن والدفاع في العراق التباين واضح بين مؤسسة الدفاع وجهاز مكافحة الإرهاب الذي عرف بتقنياته وخبراته العالية، وبين من يمسك بملف أمن بغداد والمدن العراقية الأخرى. المعلومات تؤكد أن ملف أمن بغداد ما زال بين أيدي قوات بغداد، وهذا يعني أن من يمسك ملف أمن بغداد، ليس الأمن الداخلي، أو الأمن الوطني، أو إدارة محافظة بغداد كما هو معهود به في الظروف الاعتيادية، وهنا لا يمكن توجيه الانتقادات إلى الأمن الوطني، رغم عدم إثبات هذا الجهاز هويته ومهنيته، كونه لم يمنح فرصة بمسك ملف الأمن. فما زال هناك خلط بين الأمن والدفاع في العراق، وما زالت الحكومة تعتمد على العسكر وعلى فرض الجيش ومسك السيطرات من قبل قوات بغداد، أكثر ما يقوم على القاعدة الأساسية التي يقوم عليها أي أمن داخل المدن، القائم على المعلومات الاستخبارية وتعقب المطلوبين وتنفيذ العمليات الوقائية من قبل وزارة الداخلية وإدارة المحافظات. رئيس الحكومة العراقية، اتخذ خطوة برفع الترسانات وبعض نقاط التفتيش من العاصمة العراقية بغداد، لكن ما زالت هذه النقاط تمثل نقاط اختناق، بل نقاط تهديد إلى أمن العاصمة العراقية، يستغلها تنظيم داعش لتنفيذ عمليات انتحارية وتفخيخ سيارات في المناطق المزدحمة من أجل إلحاق أكبر عدد من الخسائر. وتحولت نقاط التفتيش ذاتها إلى مشكلة ومعاناة أمام المواطن العراقي في تنقلاته وحركته اليومية. الانتقادات الموجهة إلى الحكومة العراقية، أنها ما زالت تعمل لحد الآن بعقلية العسكر، واعتماد الجيش بفرض الأمن في العاصمة العراقية، وهذا خطأ، على الحكومة العراقية، واللجنة الأمنية في البرلمان أن يغادرا هذه السياقات التقليدية. استخباريا، يتطلب الأمر مغادرة الجيش ومصفحاته المدن العراقية، وتحول المسؤولية إلى الأمن الداخلي. واقع الأمن في المدن العراقية بعد خسارة داعش معاقله في الموصل شهدت المدن العراقية تحسنا كبيرا في واقع الأمن بعد تحرير مدينة الموصل عام 2017، وتصاعدت كفة الأمن في العراق، في أعقاب العمليات الأخيرة في أعالي وادي الفرات، عند الحدود العراقية السورية ومدينة القائم. مصادر من داخل أجهزة الاستخبارات الداخلية معنية بمتابعة تنظيم داعش، رفضت الكشف عن هويتها، ذكرت حصريا إلى مجلة «المجلة»، أن تنظيم داعش بالفعل خسر اتصالاته بين قياداته بعد خسارة مدينة الموصل. وأضافت المصادر أن التنظيم لم يعد قادرا على تنفيذ أي عمليات نوعية أو عمليات واسعة في العراق. تقارير التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، ذكرت أن عدد مقاتلي داعش في العراق وسوريا لا يتجاوز (3000) مقاتل، يتركز حضورهم عند الحدود العراقية السورية. أبرز التحديات التي تواجه مؤسسة الأمن والجيش في العراق هي: * عدم قدرة الحكومة العراقية على فرض القانون وسلطتها على المجموعات المسلحة في العراق، ويعود ذلك إلى ارتباط هذه المجموعات بأطراف خارجية إقليمية أبرزها إيران بالحصول على التمويل والسلاح. * صعود كفة العشائر العراقية في العراق، على حساب الحكومة، شهادات من داخل العراق حصلت عليها مجلة «المجلة» حصريا، تفيد بأن المواطن العراقي اليوم، لا يشعر بحماية الدولة. العشائر إلى جانب الجماعات المسلحة هي من تسيطر على الشارع والمجتمع العراقي. على سبيل المثال الخصومات والحوادث الجنائية، لا تتمكن الحكومة العراقية من الفصل بها، فيلجأ المواطن إلى عشيرته أو إلى جماعة مسلحة تسيطر على محلته للاحتكام، وهذا ما يجري في الشارع العراقي ما بعد دحر تنظيم داعش وخسارته معاقله في الموصل. * انتشار السلاح، فإن تعدد مؤسسات الأمن والجيش والعمليات العسكرية في المدن العراقية، ساعدت على انتشار السلاح في سوق العراق، ورغم الأصوات التي ترفع بين حين وآخر من داخل بعض الأطراف السياسية أكثر من الحكومة، فيبقى ملف انتشار الأسلحة في الشارع العراقي معضلة يصعب السيطرة عليها. * مسك الأرض، وفرض الأمن مابعد تطهير المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش، ومسك الأرض يعتبر تحديا كبيرا، كونه يحتاج إلى خطط وسياسات جديدة غير تلك التي استخدمت في تحرير المدن واستخدام القوة العسكرية، بقدر ما تحتاج إلى تمكين الإدارات المحلية والشرطة المحلية من استعادة سيطرتها، لتأتي مرحلة جديدة لاحقا، إصلاح البنى التحتية وتوفير الخدمات وحزمة من الإجراءات المجتمعية والاقتصادية تتعلق بالتنمية والأمن، ذات الصلة بالأمن القومي. تنظيم داعش في الأشهر الأخيرة خلال عام 2018 لم يعد قادرا على مواجهة العمليات العسكرية الواسعة التي تشنها القوات العراقية وبدعم التحالف الدولي، فبات يعتمد الانسحاب والتسلل خلف القوات العراقية. بعض المدن والقرى التي يتم تحريرها، يترك تنظيم داعش الكثير من مقاتليه خلايا نائمة تعود كمجموعة صغيرة لتنفيذ عمليات «كر وفر»، كما حصل في «مثلث الموت» الجديد خلال شهر مارس (آذار) 2018، عندما ظهرت مجموعات صغيرة لتنفيذ عمليات قطع الطرق والتسليب عند مثلث مدينة كركوك ومدينة ديالى وصلاح الدين.ارتفاع الدخان بعد غارة جوية في غرب الموصل يوم 6 مارس (آذار) 2017، خلال هجوم القوات العراقية لاستعادة الأجزاء الغربية من المدينة من «داعش». الحكومة العراقية من جانبها، كشفت عن ظهور مجموعات جديدة في أعقاب خسارة داعش مدينة الموصل تسمى «الرايات البيضاء» لكن التحقيقات أكدت أن هناك تضخيما لاسم هذه الجماعة، وهي تتناقض أصلا مع تنظيم «وآيدلوجيا الجماعات الأصولية المتطرفة» وأنها في الغالب مجموعة عناصر تضررت مصالحها بعد سيطرة الحكومة العراقية على مدينة كركوك. وفي تصريحات لـ «المجلة» يقول الدكتور واثق الهاشمي من بغداد، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية، والمقرب من مستشارية الأمن الوطني العراقية،: «الحكومة العراقية، صرحت، بأن التنظيم لم ينته على مستوى الخلايا النائمة، ونحتاج إلى ما لايقل عن سنة، وهذ العمل يحتاج إلى العمل الاستخباراتي. لذلك نرى هناك عمليات إرهابية تحدث على طريق بغداد كركوك، ومحافظات أخرى، ونتوقع أن تكون عمليات مماثلة، لذلك حذر رئيس الوزراء العراقي، بالقول إن داعش يخطط للعودة مرة أخرى في العراق، خاصة في أعقاب وجود تجمعات للتنظيم عند الحدود العراقية السورية». عودة المجموعات الإرهابية من جديد باتت قائمة عودة المجموعات الإرهابية باتت مرشحة، وربما تتصاعد عمليات قطع الطرق وهجمات محدودة مستقبلا، وهذا يعني أن الأمن في العراق، يبقى غير مستقر، والتهديدات تبقى قائمة، وهذا أمر طبيعي، لأن ذلك يعتمد على مدى قدرة أجهزة الأمن العراقية على انتزاع عنصر المبادرة من تنظيم داعش. فالأمر يعتمد على مدى قدرة الاستخبارات العراقية بتأمين الأمن، أكثر من نشر القوات على الأرض. مسك الأرض يحتاج أن تشترك وتديره الإدارة المحلية والشرطة المحلية للمدن العراقية، أكثر من الحكومة الفيدرالية، لكن يبقى دور الحكومة الفيدرالية من خلال مكاتبها في المحافظات، وقوات التحرك السريع بين المدن. وبالعودة إلى مؤسسة الأمن والدفاع في العراق، فإن الأمن في العراق ما زال يعاني من مشاكل رئيسية أبرزها: مشكلة بنيوية: مؤسسات الأمن في العراق أصبحت كثيرة، وهناك تقاطع في المهام والواجبات، وهذا يعني أنها بحاجة لأن تنشط ضمن هيكل هرمي، على غرار مجمع الاستخبارات الأميركية على سبيل المثال، لتكون أساسا لمستقبل أمني أفضل في العراق. أما إبقاء التركيبة الإدارية لمؤسسات الأمن في العراق على ما هي عليه، يعني انعدام المركزية والتنسيق والتعاون بين تلك المؤسسات. على سبيل المثال، ما تحصل عليه أجهزة الأمن: جهاز مكافحة الإرهاب، الاستخبارات العسكرية، الدفاع، الشرطة، استخبارات الداخلية، من موقوفين من عناصر داعش وعوائلهم، تقوم كل مؤسسة بالاحتفاظ بالموقوفين لديها. المشكلة تظهر، عند ترحيل المطلوبين في قضايا الإرهاب إلى وزارة العدل، حيث يتطلب من كل مؤسسة إحضار موقوفيها للتحقيق ثم إعادتهم. هذا النوع من العمل بالتأكيد يضيع فرصة تراكم الخبرات لدى ضباط التحقيق، بالوصول إلى ربط بإفادات الموقوفين، ومتابعة نتائج التحقيق. معلومات حصلت عليها مجلة «المجلة» من مصادر استخبارات عراقية، بأن أجهزة الأمن في العراق، لا تتعاون فيما بينها وتخفي المعلومات بعضها عن بعض، وهناك منافسة غير شريفة بين الأجهزة لتحقيق تقدم على حساب الأجهزة الأخرى. مشكلة التسييس والطائفية: ما دام الدستور العراقي بعد عام 2003، اعتمد أسس الطائفية والمذهبية بين مكونات الشعب العراقي، فهذه الحالة تجذرت في داخل مؤسسات الدولة العراقية ومنها الأمن والدفاع، ولم يعد سرا، أن المؤسسات العراقية تسمى باسم الحزب أو الكتلة السياسية التي تسيطر عليها، لتشمل غالبية العاملين في هذه المؤسسات. التقارير كشفت أأن أعدادا من موظفي الاستخبارات العراقية، يتم نقلهم أو الاستغناء عن خدماتهم أو تحويلهم إلى وزارات أخرى، لأسباب تتعلق بالمذهب أو كتلة سياسية. ولذلك تتأثر أجهزة الأمن والاستخبارات كثيرا بتغيير رأس الجهاز، ورغم أن بعض ذلك مقبول نسبيا، كون ما يحدث في العراق يحدث في أغلب دول المنطقة، لكنه يضرب بتداعياته العكسية على معنويات الموظفين وعملهم داخل مؤسسة الأمن. وبالعودة إلى الدكتور واثق الهاشمي من بغداد، فقد أجاب ردا على سؤالنا حول الأمن في العراق ما بعد استعادة مدينة الموصل العراقية عام 2017 قائلا: «إن المنظومة الأمنية الآن خلال عام 2018، أفضل بكثير من عام 2017، ولو حسبنا الموضوع وفق الحسابات العسكرية، أن الجيوش بعد أن تنكسر تحتاج إلى أكثر من عشر سنوات لاستعادة تنظيمها، لكن في العراق المعادلة مختلفة، استطاع استعادة تنظيمه خلال سنتين فقط. الآن العراق يملك جهاز مكافحة الإرهاب والذي يعتبر واحدا من أقوى الأجهزة في المنطقة والتاسع عالميا، إضافة إلى القوات العسكرية وقطعات كثيرة». أبرز المؤسسات الاستخبارية العراقية هي 1ـ وزارة الأمن الوطني ـ جهاز الأمن الوطني، الأمن الداخلي، وترتبط برئاسة الوزراء. 2ـ جهاز المخابرات الوطني العراقي، مرتبط برئيس الحكومة. 3ـ مديرية الاستخبارات العسكرية، وزارة الدفاع. 4ـ وزارة الداخلية، وكالة التحقيقات الوطنية. وزارة الداخلية، المديرية العامة للأمن والاستخبارات. 5ـ استخبارات الداخلية. وزارة الداخلية، ويكون واجبها الإشراف على أداء منتسبي ومقاتلي وزارة الداخلية، وتنفيذ مهام إضافية متعلقة بمكافحة الإرهاب، وتتفرع إلى: مديرية استخبارات بغداد ومديريات استخبارات المحافظات. 6ـ مديرية استخبارات الشرطة الاتحادية التي تقوم بجمع المعلومات الاستخبارية عن التنظيمات الإرهابية. 7ـ مستشارية الأمن الوطني العراقي وتضم مجلس الأمن الوطني الذي يرأسه رئيس الوزراء ويضم في عضويته وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل والمالية ومستشار الأمن الوطني.صورة تم التقاطها في 14 مارس 2018 يظهر فيها الدمار في مدينة الموصل القديمة، بعد ثمانية أشهر من استعادتها من قبل قوات الحكومة العراقية من «داعش». دعاية تنظيم داعش بعد خسارته مدينة الموصل والرقة عام 2017 التنظيم فقد الكثير من قدرته وإمكانياته خلال عام 2018 وعام 2017، ليس في ساحة العراق وسوريا بل في جغرافية دول أوروبا وآسيا وأفريقيا، وهذا مؤشر كبير على تراجع التنظيم. عندما لا تكون هناك عمليات إرهابية للتنظيم، فهذا مؤشر على أن هذا التنظيم خسر قدرته على الحصول على التمويل وعلى تجنيد عناصر جديدة. بات معروفا أن التنظيم كان يراهن ويروج لعملياته الإرهابية، على الإنترنت من أجل الحصول على عناصر وأنصار جدد للالتحاق بالتنظيم، لكن اليوم، لم يعد يملك هذه المادة «إنجازات ميدانية» هو خسر الدعاية وخسر التمجيد والتمويل أيضا. يقول الباحث الألماني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط «ألبريشت ميتسغر»، أن ما يجري على الأرض من تقدم دولي في محاربة داعش يذكّر ببداية التحالف الدولي الذي قادته دول العالم من أجل محاربة التنظيم. وفي سؤال آخر حول دعاية تنظيم داعش بعد خسارة مدينة الموصل، أجاب الدكتور الهاشمي، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية قائلا: «إن المجموعة العراقية قامت بعدد من البحوث في مجال إعلام تنظيم داعش، تؤكد أن التنظيم كان يمتلك منظومة إعلامية مهمة. ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، (تويتر)، و(فيسبوك) وغيرهما، مما تسبب في إرباك في العراق بعد استعادة مدينة الموصل، اضطرت خلالها الحكومة العراقية إلى وقف هذه الوسائل، في أعقاب تشكيل الحكومة العراقية، غرفا خاصة لمعالجة إعلام تنظيم داعش. الواقع على الأرض هو الذي يحكم، وهو خسارة تنظيم داعش وسقوط (ما يسمى الخلافة) وهذا ما أفشل تنظيم داعش من استخدام الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي. فتنظيم داعش لم يعد قادرا على تحقيق «إنجازات» من وجهة نظره للاستفادة منها في الدعاية، لذلك كان هناك تراجع كبير للتنظيم في اتجاه الدعاية». داعش يخسر حتى «خلافته الرقمية» كشف فريق «بي بي سي مونيتورنج»، أحد فرق الرَّصد والتحليل لوسائل الإعلام العامة البريطانية، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، التحليل الكمي للإنتاج الإعلامي الخاص بتنظيم داعش، وأفاد بأن الإنتاج الإعلامي لتنظيم داعش الآن ليس سوى طيفٍ لما سبق إنتاجه، فالتنظيم كان ينتج يوميًّا، قبل خسارة معاقله في سوريا والعراق، (29) محتوى، أما الآن فلا يتعدى (10) منتجات. وانخفض عدد الفيديوهات التي بثتها وكالة «أعماق» من (52) فيديو إلى (11) فيديو، كما انخفضت أيضًا أعداد البيانات الصادرة عن التنظيم من (138) إلى (52)، وكذلك الأمر بالنسبة لعدد الصور التي انخفضت من (175) إلى (81) صورة. وتشير المعطيات إلى أن 53 في المائة من المواد الدعائية التي أنتجها داعش في عام 2015. ركزت على صور لـ«الحياة الرغيدة» في المناطق التي يسيطر عليها، مقابل 39 في المائة دعت إلى الانضمام لـداعش من أجل القتال، إلا أن هذه الصورة تغيرت عام2017. حيث تناولت 80 في المائة من أعمالهم الدعائية مسائل تحث على القتال في صفوفه، مقابل 14 في المائة اكتفت بتقديم صورة جميلة للعيش في المناطق التي يسيطر عليها. وفي دراسة للباحث «تشارلي وينتر» في جامعة كينجز كولدج في لندن صادرة في 10 يناير (كانون الثاني) 2018 يقول فيها، إنه في عام 2015 عندما كان يخضع لإمرة التنظيم نحو (7 ملايين) شخص في العراق وسوريا، أصدر دعائيو التنظيم «محتوى من 38 مكتبا إعلاميا مختلفا من غرب أفريقيا إلى أفغانستان، بينما في ديسمبر (كانون الأول) 2017 كان أكثر من (75 في المائة) من هذه المكاتب تقريبًا في حالة سيئة. وتعطي دعاية تنظيم داعش على الإنترنت موشرا جديدا، إذ باتت تركز في غالبيتها على الدعوة للقتال، بدل الترويج لـ«الحياة الرغيدة، ويعزو خبراء هذا التغيير في الخطاب الدعائي لداعش إلى تضييق الخناق في معاقله الرئيسية، حيث فقد الكثير من المناطق التي كان يسيطر عليها». ليس هناك من شك في أن تنظيم داعش يدين بالكثير إلى شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بل إنه تعامل مع التقنيات الحديثة للتواصل بوصفها ساحة أخرى للمعركة توازي، إن لم تكن تفوق، المعركة الميدانية على الأرض. وكما يقول نيغيل إنكستر من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، إن الشيء الجديد الذي جاءت به الإنترنت بالنسبة للجماعات الإرهابية هو سرعة نقل الرسائل وسرعة تلقي التعليمات. كما يقول الجنرال فوتل إن «هذه الخلافة الافتراضية صيغة محرفة للخلافة التاريخية: فهي تضم مجموعة من المسلمين يقودهم خليفة (هو حاليا أبو بكر البغدادي) وتطمح إلى الانتماء إلى دولة خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية ومقرها في الفضاء الإلكتروني». وهنا من المهم أن نشير إلى أن ذهاب تنظيم داعش إلى «الخلافة الرقمية» أو «الخلافة في العالم الافتراضي»، لا يعني إطلاقا «تخلي التنظيم عن نشاطه الإرهابي الفعلي في العالم الواقعي، بل إن خلافته الافتراضية أو الرقمية ستتيح له فرصا» للتواصل مع «خلاياه النائمة» أو السرية، وكذلك ستمكنه من إدارة حرب عصابات تختلف عن حروب العصابات الكلاسيكية. إن تاريخ الجماعات المتطرفة في دول المنطقة، يكشف أن هذه الجماعات لديها القدرة على التخفي والظهور من جديد، ولدينا مثال جيد وهو التنظيمات القاعدية في دول الساحل الأفريقي، التي استطاعت إعادة نفسها بعد العمليات العسكرية. الجماعات المتطرفة تنشط في المناطق البعيدة عن المدن وفي أطرافها وتستغل الجغرافيا خاصة المناطق الوعرة والتضاريس الصعبة. المنطقة الغربية في العراق، عند الحدود السورية، تبقى تمثل تحديا صعبا إلى أجهزة الأمن. وفي ذات الوقت هي تعتبر أرضا خصبة للجماعات المتطرفة. على سبيل المثال منطقة القائم عند الحدود العراقية وكذلك الوديان والهضاب في صحراء الأنبار، لا يمكن السيطرة عليها ولا يمكن حتى تثبيت نقاط عسكرية هناك وفقا للخبراء المعنيين في الشأن العسكري. وهذا يعني أن عودة داعش والجماعات المتطرفة في العراق، يبقى احتمالا قائما، يعتمد على قدرة الحكومة العراقية، من فرض الأمن واعتماد سياسات تعزيز محاربة التطرف وردع الإرهاب، وهذا ما يعتبر تحديا أمام الحكومة العراقية.
مشاركة :