أكذوبة صوت من لا صوت له

  • 4/8/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تتصاعد حمى الصراعات السياسية في بلادنا، تعلو وتيرة الأصوات المتنافسة على المكاسب والمواقع ونهب الثروات استعدادا لمهزلة الانتخابات، ويصدّع الضجيج العالي لشعارات السياسيين وخطبهم رؤوس الناس في فضائيات تملكها الأحزاب الإسلامية، وتتعالى من مكبرات الصوت في الندوات والتجمعات ودور العبادة وعودٌ فردوسية مصحوبة بتهديدات وتواصل الادعاء بأنها تمثل الأغلبية الصامتة التي تعجز عن إيصال صوتها، وفي الوقت ذاته تروج لذلك ملصقات وإعلانات تستجدي أصوات الحشود المخدوعة بلعبة الديمقراطية الزائفة، وتندرج جميع هذه الوسائط ضمن مفهوم الصوت العالي والضجيج الذي يشوش على مصادر الوعي ويقظة العقول إزاء الخديعة السياسية. ينسى صانعو الضجيج أن لكل منا صوته الخاص وليس بوسع الآخرين تمثيل أصواتنا والتعبير عن حاجاتنا والتحدث باسم الجماعات الثقافية والدينية والعرقية المختلفة في العراق، ولا أحد سوانا بوسعه أن يمثلنا: لا رجال العمائم ولا أعضاء الأحزاب الحاكمة أو المتعاونين معهم ولا ساسة الغنائم والنهب المنظم لثروات البلاد الموشكة على النضوب. يذكرنا هؤلاء الذين يدعون أنهم “صوت من لا صوت له” ببعض سياسيي أميركا اللاتينية وكتابها الذين تعاونوا مع حركة “لاهوت التحرير” وانطلقت من بينهم صيحة “نحن صوت من لا صوت لهم” فتصدى لهم الكاتب الراحل إدواردو غاليانو قائلا “كلّ الثّقافات تستحقّ أن نعرفها وكلّ الأصوات ينبغي أن نسمعها ولست أشارك أصدقائي المنضوين في حركة لاهوت التحرير Liberation Theology من الّذين يصرّحون ليل نهار بأنّهم يـبتغون أن يكونوا صوتاً لمن لا صوت لهم، لا، لا، لكلّ منّا صوته الّذي ينبغي أن يسمعه الآخرون”. غير أن ما يحصل -غالبا- في بلادنا التي جرى تدمير بُناها الأساسية والاجتماعية والتعليمية باسم الديمقراطية الزائفة هو أنّ معظم الناس أصبحوا مكمّمي الأفواه ومرعوبين من الكلام تحت وطأة التهديد الذي تمارسه قوى الإسلام السياسي والجماعات المسلحة التابعة للأحزاب الحاكمة. تدور في العراق اليوم عبر معركة الانتخابات البرلمانية الوشيكة مجابهات وصراعات تعتمد التسقيط والخداع والابتزاز ونصب الفخاخ، وقد تفتقت عبقرية بعض الكتل عن أساليب يمكن وصفها بالدناءة والوقاحة لخداع الجماهير التي يرون فيها قطيعا تحكمه الغرائز الأولية، وتنطوي هذه الأساليب على احتقار ضمني للمرأة رغم الادعاء الظاهري بغير هذا. إذ لجأت بعض القوائم إلى المتاجرة بالمعايير الأنثوية المرغوبة لدى معظم ذكور المجتمع المحرومين، وذلك بترشيح نساء لا علاقة لهن بتأريخ سياسي أو ثقافي ولا يتوفرن على خبرات الخدمة المجتمعية أو المراس النضالي أو القدرات القيادية، استخدمتهن الكتل السياسية فخاخاً مغوية لمخاطبة الحرمانات العميقة لدى فئات عمرية مختلفة بين عشائرية وشبابية، وجرى إعدادهن ليكتسبن المقومات الجسدية المطلوبة وفق المعايير المرغوبة، فشهدنا على سطح المعركة الانتخابية مخلوقات أنثوية عجيبة جرت هيكلتها وصباغتها وترميمها في عيادات التجميل التي عززت قبحها، للادعاء بمدنية التوجهات والمساواة بين الجنسين أولا، ولاستكمال نسبة الكوتا النسائية التي تتحدد بـ25 بالمئة من نسبة المرشحين. وقريبا ستتحدث هذه الدمى الملفقة باعتبارها تمثل أصوات النساء العراقيات بعد أن تشتري الأصوات بمواصفات مظهرية لا بمؤهلات فكرية وقيادية، وستواصل الادعاء بأنها تمثل أصواتنا نحن النساء العراقيات مختلفات الثقافة والتوجهات الفكرية صاحبات الكفاءات والخبرات المشهودة، وسيكرس فوزهن الحضور الصادم في برلمان العمائم والغنائم والنهب باعتبارهن نتاج مجتمع التمدن والديمقراطية الجديدة.

مشاركة :