الغرافيتي صوت من لا صوت له في شوارع تونس بقلم: حبيب المباركي

  • 3/14/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الغرافيتي صوت من لا صوت له في شوارع تونسست سنوات مضت على ثورة “الحرية والكرامة” في تونس، التي فجرت القرائح وأطلقت العنان لصدى الأصوات التي أخمدت لتفصح وتعبر وتنقد بعلو الصوت دون أن يردعها رادع، ومع ذلك لا يزال للجدران الكثير لتقوله.العرب حبيب المباركي [نُشر في 2017/03/14، العدد: 10571، ص(20)]الغرافيتي.. أصالة وتراث بلغة العصر تونس - فن تزيين الجدران “الغرافيتي” أو ما يعبّر عنه أصحابه بـ”التمرد الجميل” على الجدران الجامدة لجعلها لوحات فنية تنشر الحب والثورة والجمال، هو انعكاس لتعبيرات الشباب عبر فن الريشة في العديد من البلدان العربية بعد ثورات ما يسمى بـ”الربيع العربي” ومن بينها تونس. وعرف فن الغرافيتي في تونس قبل ثورة يناير 2011، لكنه انطلق وصار معلما من معالم شوارع البلاد في ما بعد، وأصبح تعبيرا يمزج بين صوت الشارع والحدث الذي يعبر عنه، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد بل تطور ليعبر عن جيل يحاول البحث عن ثقافته العربية التي ابتعد عنها منذ زمن بعيد. ياسين أبوزيد وصديقه محمد صادق قررا أن يستخدما موهبتهما المتعلقة بطبيعة دراستهما ليقدما هذا الفن للجمهور بشكل منتظم من خلال استهداف حوائط في وسط العاصمة التونسية لينسجا عليها الخط الكوفي مزيّنا وممزوجا بالعديد من القيم الوطنية التونسية الأصيلة. ويقول ياسين أبوزيد إن التعاون بينه وبين صديقه أثمر ما يقارب الرسم على خمسين حائطا خلال العامين الماضيين. ويعتبر أبوزيد أن استخدامه للخط الكوفي في رسمه على الجدران جاء بعد وقت طويل من تجارب شخصية حتى نضجت ريشته في تبني إبراز جمال الخط العربي. ويضيف أن “الغرافيتي كان هواية منذ بدأت علاقته بالرسم وأنه تطور في استخدام أنواع الألوان وخبر تدرجاتها المختلفة”. فيما يرى محمد صادق أنّ “المشكلة التي تواجههما عادة هي إقناع أصحاب الجدران بما يقدمانه، لكن الفرحة التي يجدانها على وجوههم بعد انتهائهما من عملهما تعد انتصارا لقيم الحب والجمال التي يريدان نشرها بين الناس”.شارع الحبيب بورقيبة احتضن منذ أيام قليلة معرضا لفن الغرافيتي، أبطاله شباب هاو اختار جسرا للطريق السريعة الرابطة بين تونس العاصمة ومدينتي صفاقس وسوسة، ففجر إبداعا لا متناهيا بتحويله لجداريات الجسر لوحات تشد الناظرين ويضيف،"عند اختيار أي حائط تبدأ جلسات مكثفة مع صديقي ياسين لبدء دراسة الفكرة ورسمها على الورق وتجهيز المواد والألوان التي سنستخدمها على الحائط، وبالتالي تصبح لدينا فكرة كاملة عن طبيعة المنتج الذي سيظهر للناس". ويعتز الصديقان ياسين وصادق برسوماتهما على جدران المدينة العربي (المدينة العتيقة) في قلب العاصمة تونس، ويعتبران أن امتزاج فنهما بهذه العراقة متعة لا تضاهيها متعة. ويتعرض فنانو الغرافيتي في بعض الأحيان للملاحقة في ظل غياب آلية لاستصدار تصاريح الرسم، وبذلك فإن المبادرات التي تزيّن الشارع وتحصل على إذن من السلطات قليلة، حيث يستوجب الرسم على الجدران استصدار تصريح من قبل أصحاب المنازل الذين يوافقون على استخدام جدرانهم لهذا الفن. حضور لافت للمرأة تقول الشابة أميمة بوعصيدة البالغة من العمر 25 عاما “من خلال فنّي أدافع اليوم عن المرأة العربية، المسلمة، الفنانة، المحجّبة والحرّة.. هذه أنا في الواقع”. وشاركت أميمة برسم جداريات في مدينة صفاقس التي احتضنت فعالية عاصمة الثقافة العربية لسنة 2016، أواخر شهر سبتمبر الماضي، ضمن المهرجان العربي لفنون الشارع. وتضمن المهرجان العديد من الورشات الفنية بمشاركة شبان من 8 بلدان عربية. وتمكنت أميمة بعد خمس سنوات من العمل المضني والفن المبتكر من إضفاء الحياة على مدينتها، من خلال الرسم على الجدران والسلالم دون أن تنسى البناءات القديمة. حاملة بين كفيها قوارير الطلاء تمكنت أميمة من تحويل الفتاة الخجولة التي تكونها إلى فنانة مشهورة تُعرف باسم “أوما”.الجدران تؤرخ للثورة محافظة صفاقس التي لا تخفي على زائرها طابع الغرافيتي الذي يزخرف جدرانها وطرقاتها، صار اسم هذا الفن الغرافيتي في تونس مقترنا بها خاصة. لكن هذا لا يعني انتفاء وجوده في مناطق أخرى من البلاد التونسية، حيث انتشر كذلك في جهات شتى نظرا لاتخاذه متنفسا يبدع من خلاله شباب متمرس في فن هذا الرسم معبرا عن أفكار وهواجس تراوده، ليضحى جزءا من “ديكور” الشارع. واحتضن شارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة التونسية منذ أيام قليلة معرضا لفن الغرافيتي، أبطاله شباب هاو اختار جسرا للطريق السريعة الرابطة بين تونس العاصمة ومدينتي صفاقس وسوسة، ففجّر إبداعا لا متناهيا بتحويله لجداريات الجسر لوحات تشد الناظرين. ولئن اقترنت أغلب أعمال الغرافيتي الفنية بما تقتضيه مرحلة ما بعد الثورة من تحرر وفك قيد لدى فئات واسعة من الشباب التونسي، فإنها أضحت لا تخلو من رسائل سياسية واجتماعية ورياضية. الغرافيتي حامي الشباب من الإرهاب يرى طارق ديبي طالب الديكور وفنون الرسم وفنان الغرافيتي البالغ من العمر 23 عاما، أن السنوات التي تلت “الربيع العربي” عام 2011، حينما انتفض التونسيون لخلع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، اتسمت بالشعور بالإحباط وخيبة الأمل بين الشباب. وأوضح ديبي أن “الحكومة لم تقدم شيئا للشباب عقب اندلاع الثورة، وبالتالي هناك الكثير من الكراهية تجاه المجتمع، وهو ما دفع العديد من الفئات الشابة إلى الالتحاق بصفوف تنظيم ‘داعش’ الإرهابي للحصول على المال. فمن يصبح عنصرا في صفوف الجماعات الإرهابية ليس لديه ما يبكي عليه، ومن ثم يسهل إقناعه بالفكر المتطرف”. واختار ديبي الرسم على الجدران كسلاح لمحاولة معالجة المشكلة، وابتكر سلسلة من ورش العمل للشباب، حيث يريد تعليمهم كيفية استخدام عبوات الرش، ولكنه يأمل أيضا أن يساعدهم ذلك في تشكيل الوجدان والهوية. ويقول ديبي إن “الرسم على الجدران كشف له إمكانية النجاح، فالفن قام بتغيير البلدان والإمبراطوريات”، ولكنه اختار الكتابة على الجدران لأنها تمثل نمط حياته. ويرجع الفضل في تعرُّف ديبي على ثقافة “الهيب هوب” وفن الرسم على الجدران إلى كريم جباري من محافظة القصرين أيضا. ففي أعقاب ثورة عام 2011 نظم مهرجانا حضريا في المدينة ودعا العديد من فناني “راب” دوليين ومحترفين في توزيع الموسيقى “دي جاي” إلى جانب فنانين آخرين، وذلك احتفالا بثقافة الشباب. وتزامل بعدها جباري مع ديبي في فريق واحد للعمل على رسمة غرافيتي على الجدران امتدت على طول جدار سجن القصرين، وهي تتضمن كلمات شاعر الثورة في أوائل القرن العشرين أبوالقاسم الشابي وتجمع بين الكتابة بالخط العربي والرسم. وأوضحت إيمان وهي أستاذة بالمعهد العالي للفنون الجميلة أن “الغرافيتي أو فن الشارع يعبر عن ثورة نفسية قد تكون شخصية أحيانا ولكنها تعتمد كلها على أدوات ووسائل فنية موحدة”، مضيفة “أن الرسم هو إحدى أهم الطرق التي يستخدمها الإنسان للتعبير عن أفكاره ومواقفه وآرائه. إنها أسرع طريقة لتوضيح موقف ما أو لجعل الناس يتفاعلون معها”. وأضافت إيمان “تثير قوة الغرافيتي، باعتباره وسيلة للتعبير الحر، قلقا متزايدا لدى العديد من الحكومات والأنظمة السائدة، فتراها تتخذ التدابير القمعية لإسكات صوت الشارع، ومن أفضل الأمثلة على هذا النوع من ردود الأفعال ما حدث في بريطانيا مع قانون السلوك غير الاجتماعي لسنة 2003 وتوقيع النواب على ميثاق يفيد بأنّ الغرافيتي ليس فنّا، بل جريمة”. ويبلغ فن الغرافيتي ذروته خلال الفترات التي تشهد فيها المجتمعات تغييرات سياسية واجتماعية، حيث يصبح شكلا من أشكال القوة العامة لمقاومة تجاوزات السلطة الحاكمة، حيث ينتقي فنان أو مجموعة من الفنانين شارعا مكتظا لنقل الرسالة عبر الكلمات أو صورة أو اثنتين، والتي تحتوي في معظم الأوقات على سخرية مريرة. الفن بمختلف أنماطه وروح التطلع فيه يعكس واقعا فرضته الظروف القاهرة على الشعوب. فن الغرافيتي واحد من هذه الفنون لكنه يزيد عنها بإخراجه الكامن في النفوس والقوارح بشكل فولكلوري ترسمه الريشة يظهر أكثر مما يبطن. النفوس الضاجرة من الألم وشدة الاحتياج تجد ملاذا في هذا الفن الذي يمنحها تفاعلا مع الجدران والحوائط لتخلق وتبتكر فترتسم المعاني وتظهر اللوحات ما صمت عنه اللسان في التعبير.

مشاركة :