من المسلمات التي نؤمن بها أشد الإيمان أن العظمة لله سبحانه وتعالى وحده، فهذا موضوع لا جدال ولا نقاش فيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار. وروي بألفاظ مختلفة منها (عذبته) و(وقصمته) و(ألقيته في جهنم) و(أدخلته جهنم) و(ألقيته في النار)». الحديث أصله في صحيح مسلم وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وغيرهم وصححه الألباني. إذن، فنحن هنا لا نتحدث عن هذه العظمة المطلقة التي هي لله عز وجل، وإنما سنحاول أن نتعرف على تلك العظمة البسيطة التي يمكن أن يتمتع بها بعض البشر ليصبحوا أفضل ممن سواهم، لذلك فنحن نتحدث عن العظمة الإنسانية والعظمة البشرية. حسنٌ، ولكن عندما نتحدث عن البشر فكيف يمكن أن نقيس العظمة؟ ومن هو العظيم؟ ربما أتفق مع الدكتور محمد جابر الأنصاري في كتابه (هل كانوا عظماء؟) وكذلك السيد محمود حامان في مقال بعنوان (من هم العظماء؟) عندما عرفا العظماء بأنهم الذين لا يعيشون لأجل أنفسهم، وإنما يحاولون أن يضحوا بالكثير من أجل من حولهم، هم الذين يربون أناسا ليحملوا أفكارهم من بعدهم، هم أناس نستمد منهم الطاقة الإيجابية، هم الناس الذين يحثوننا على المحبة والعدالة والحق، هم الأشخاص الذين يحرضوننا باستمرار على محاربة الظلم والفقر والتخلف، هم الأشخاص الذين لا تتأثر قيمة أعمالهم وأفكارهم بالمسافة أو الزمن أو اللغة أو الموت، هم أناس ربما باعد بيننا وبينهم الموت ولكنهم مازالوا يعيشون بيننا بأفكارهم وحياتهم وطاقاتهم. بعد ذلك رحت أبحث عن هؤلاء العظماء في الكتب والأوراق والمكتبات فوجدت على رأس قائمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو العظيم الذين استطاع أن يغير من تاريخ أمة كانت تعيش على هامش التاريخ وفي أعماق الصحراء إلى أمة قادت العالم في غضون أعوام قليلة. وقد يتساءل أحدنا، كيف يمكن أن أكون عظيمًا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يصعب علينا نحن أن نكون في مستواه صلى الله عليه وسلم، عقولنا -حتى- لا تسمح لنا بالتفكير في مثل هذا، فهل يمكن أن نجاري أعظم البشر وأعظم الرسل؟ يمكننا أن نقول، نعم فمن مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا النبي العظيم كان بشرًا، ويتمتع بالعديد من الصفات التي لو حاولنا أن نمارسها في حياتنا فإنه يمكن أن نسير في ركب العظماء، لنحاول أن نستعرض بعضًا من تلك الصفات التي ستساعدنا على أن نكون من تلك الفئة التي نحسب أنهم من العظماء، والتي منها: أولاً: الرؤية والهدف، لا يمكن أن تُحسب أنك عظيم وأنت لا تعرف ماذا تريد من هذه الحياة، ولا إلى أين تسير. فالرؤية تعد المكون الأول من خطة الحياة، وتعرف أنها «الصورة النهائية التي يريد الإنسان أن يكون عليها، وهي الحلم المستقبلي الذي نتمناه ونعمل على تحقيقه» أو «تمثل واقعًا بعيد المدى لا نلمسه حاليًا وإنما قد نصله أو لا، ولكنه يجب أن نضع خطة مستقبلية نحلم بالوصول إليه». أما الأهداف فهي المقاصد والغايات التي نرغب في الوصول إليها في المستقبل، فيجب أن تكون واضحة سهلة يمكن تحقيقها وترجمتها إلى حقائق وواقع عملي نتحمل مسؤولياتها. الآن فكر في نفسك، هل لديك هدف في الحياة؟ وهل هدفك شخصي وفي حدود عائلتك فقط، أم هدفك أوسع من ذلك كأن تخدم مجتمعك ووطنك؟ وما الذي تريده للمجتمع الذي تعيش فيه؟ هل تفكر في هذا المجتمع أم حدود تفكيرك لا تتعدى نفسك؟ ثانيًا: الشغف أو الحب، عندما تحدد أهدافك لتتجاوز حدود نفسك وأسرتك ولتبلغ حدود مجتمعك ووطنك، فإنك حتمًا ستدخل منطقة الحب والشغف، حيث تجد نفسك تلقائيا تحب الناس الذين تعيش معهم، تحب مجتمعك ووطنك، وليس الحب المجرد وإنما الحب الحقيقي الذي من خلاله تود أن تقدم كل ما لديك وكل طاقاتك وإمكانياتك لهذا الوطن الذي تعيش على أرضه، ولهؤلاء الناس الذين أنت جزء منهم، تود لهم الخير أينما كانوا ومن كانوا. ثالثًا: العمل، لا تتوقف حدود العظمة عند حب الناس والوطن والهدف، وإنما يجب أن يتبع ذلك العمل على ترسيخ هذا الحب وتلك الإيجابية وذلك الهدف بين الناس، فليس من المعقول أن تقول للناس إني أحبكم، ولكن لا يظهر ذلك في سلوكياتك، وليس من الحكمة أن أحب هدفي ورغبتي في خدمة الناس وأكتفي بذلك وإنما يجب أن يصاحب ذلك الكثير من العمل، والكثير من الجهد حتى يظهر كل ذلك على أرض الواقع، وبين الناس لينتشر الخير والسلام. رابعًا: الأخلاق، هذه العظمة يجب ألا تحيد عن الأخلاق الراقية التي جاء بها الإسلام، فالعظمة من غير أخلاق سليمة وقويمة فإنها قد تسبب التهلكة للبشرية، فالأخلاق هي مجموعة القيم التي تحدد وتوضح سلوكياتنا وطريقة تعاملنا مع البشر والوطن، فإن اعتقد الإنسان أنه عظيم ولكنه كان صاحب أخلاق سقيمة فحتمًا أن تلك العظمة ستدمره وتدمر أهله ووطنه. خامسًا: القوة الدافعة، وهي الدافع وراء ما يسعى المرء لتحقيقه، والدافع لتحقيق أحلامك ورؤياك لبث الخير والمحبة ومساعدة الناس، فهل تقوم بذلك لمجرد بلوغ رضا الناس وحبهم فقط؟ أم هل أنت من الباحثين عن العظمة فقط؟ فإن كانت دوافعك هزيلة مثل إرضاء البشر فإنك لن تصل إلى ذلك، فرضا الناس غاية لا تدرك. إذن يجب أن نسمو بدوافعنا ونرتقي حتى نبلغ عنان السماء، ونصل إلى أسمى تلك الدوافع التي ترتبط بالله، وهي رضا الله، عندئذ ستجد نفسك تعمل وتعمل ليس من أجل العظمة ولا رضا البشر وإنما من أجل رضا الله، وبالتالي ستحقق رضا الوطن ورضا المجتمع ورضا الناس. سادسًا: خدمة الآخرين، وعندما تصل إلى هذه المرحلة، فإنه يجب أن تؤمن بأن خدمة الآخرين أمر حتمي، فأنت جزء من هؤلاء الآخرين، تحب وتكره، تأمل وتتألم، تمر عليك أيام جميلة وأيام عصيبة لذلك فإنك تحتاج إلى ما يحتاجون إليه، فبسبب كل ذلك قدم خدماتك للآخرين حتى وإن كنت لا تعرفهم، فلن تكون عظيمًا وأنت تجلس في برج عاجي وتعرف أن هناك أناسا يحتاجون منك إلى مد يد المساعدة، وتذكر دائمًا الذين مررت بهم يومًا وأنت صاعد إلى قمة العظمة فإنك سوف تمر عليهم أثناء نزولك، ولكن هذه المرة وأنت غير عظيم. سابعًا: القدرة على تطوير الذات، وفي خضم كل ذلك فإن على العظيم أو من يرغب في السير في طريق العظمة ألا ينسى نفسه، فيجب أن يرعاها وأن يهتم بها ويطورها ويعتني بها، فليست العظمة أن تعتني بالآخرين وتنسى نفسك، لأنك حينئذ سوف تصاب بالكثير من الأمراض التي سوف تعيقك عن تقديم خدماتك للآخرين، بالإضافة إلى أن تطوير الذات يساعد المرء على تطوير نفسه معرفيا وعلميا والعديد من الأمور التي تؤهلك لقيادة الآخرين. ثامنًا: فكر ودع الأفكار تتولد، لا تحجر على عقلك، وتعتقد أن أفكارك هي التي سوف تنقذ البشرية، وإنما أطلق العنان لتفكيرك واستمع للآخرين حتى وإن شعرت بأنهم أقل منك مرتبة علمية، فربما فكرة من أحد الأطفال تفتح لك الكثير من الآفاق والزوايا التي لم تكن تنظر إليها، فكر دائمًا في نفسك وفي خدمة الآخرين، واجعل هذا الأمر هو ديدنك، فكر في الأمور من عدة زوايا، واترك المجال للكثير من البدائل، ولا تعتمد على فكرة واحدة في حل مشكلة أو أزمة أو ما شابه ذلك، وإنما اجعل التفكير جزءا مهمًّا من حياتك. تاسعًا: انسجم مع نفسك قبل أن تنسجم مع الآخرين، فالكثير من البشر قد يواجهون صعوبة في تقبل الآخرين، والسبب لا يكمن في الآخرين وإنما في أنفسهم، فهم -في الكثير من الأحيان- لا يمكنهم تقبل الوضع الذي يعيشون فيه هم أنفسهم، وهذا يعني أنه مريض ويشك في نفسه وقدراته، لذلك فهو يشك في الآخرين. اعرف من أنت وماذا تريد وكيف يمكنك الوصول إليه، وتأكد أن الناس لا يريدون أن يستغلوك ولكنهم قد يحتاجون إليك لأنهم يرون فيك الملاذ الآمن. العاشر: تقبل الفشل، لا يمكن أن يأتي النجاح دائمًا، ولا يمكن أن يأتي النجاح من غير المرور على محطات الفشل، فنحن ربما نفشل عشرات المرات، لنجني النجاح مرة واحدة، فلا نجعل الفشل حبل المشنقة التي توقفنا عن العمل، وإنما نحن نقع حتى نقوم ونحن أقوى لننطلق بحذر أكثر وفكر أوسع وأفق أكبر للرؤية، لنتقبل الفشل ولنحول الفشل إلى محطات للنجاح، ولنكن ملهمين للآخرين في هذا. هذه بعض من الوسائل والأساليب التي يمكن اتباعها حتى نبلغ العظمة، أو على أقل تقدير أن نسير في طريق العظماء، فإن حاولنا تطبيقها فإننا حتمًا سنقطع تذكرة في عربة العظماء ونسافر معهم إلى نهاية العالم، ولكن نقولها للمرة المليون إن طريق العظماء غير ممهد وليس مفروشا بالورود وإنما حتمًا ستواجهنا الكثير من العراقيل والعواقب، ولكن المتعة أن نهزم كل تلك العراقيل وأن نتخطى كل تلك الصعاب من أجل الأهداف النبيلة، واجعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لك أثناء السير في طريق العظماء. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :