إذا كنت من محبي مشاهدة الأعمال الدرامية العظيمة، وشاهدت الممثلين الكبار وهم يتحدثون عن أعمالهم وكيفية اختيارها، ستعرف أنهم يجمعون على أن أساس الأعمال العظيمة هي الكتابة الجيدة، السيناريو الجيد هو الدليل الأول على أن الفيلم سيكون جيدا، وهذا ما يجعل فقد كاتب سيناريو جيد كمحفوظ عبدالرحمن مسألة مؤلمة. لم يكن محفوظ عبدالرحمن مقتصرا في الكتابة على السيناريو، فقد كتب القصة القصيرة والرواية والمسرحية، لكنه عرف عند الناس بالمسلسلات والأفلام العظيمة التي قدمها. نعرفه من مسلسلات مثل بوابة الحلواني وأم كلثوم، وأفلام مثل القادسية وحليم وناصر 56. والمسرحية المذهلة التي قدمها المسرح الكويتي في السبعينيات حفلة على الخازوق. وفي ظل حال الدراما العربية الآن، ندرك كم سنفتقد كاتب سيناريو جيدا مثله. لأنهم قليل، ولأن السيناريو الجيد أصبح عملة نادرة. من خلال حوار أجرته معه جريدة الشروق بمناسبة تكريمه في العام 2015 يمكن إدراك كيف يفكر كاتب مهم مثله، ولماذا هو كاتب مهم، أو يمكننا أن نتعلم من حوار صغير ما هو سر عظمة بعض الكتاب. يقول عن سبب تركه الكتابة في النقد والتي بدأ بها الكتابة أنه بعد أن نشر نقدا لكتاب عاد وقرأه بعدها بسنة ليكتشف أنه ظلم صاحبه فقرر التوقف عن النقد تماما. حفلة على الخازوق كانت المسرحية الأولى له ونجاحها الباهر هو الذي دفعه للاستمرار في هذا الطريق. وضع قواعد لنفسه لضمان جودة الكتابة وليبق راضيا عما يقدمه هي: أن لا يكتب سيرة حاكم مادام على قيد الحياة، أن لا يكتب إلا إذا كان معه مال حتى لا يوافق على كتابة تحت ضغط الحاجة، وأن لا يكتب عملا لا يروق لمزاجه. في رأيي أن هذه القواعد التي وضعها محفوظ عبدالرحمن لنفسه يجب أن تكون نبراسا أو قسما لكتاب السيناريو يشبه قسم أبوقراط للأطباء. هي شروط صعبة ربما، لكنها الطريق إلى كتابة أعمال مهمة وخالدة وناجحة أيضا، إذا كانت حجة البعض النجاح. الكاتب العظيم لا بد أن تكون له وجهة نظر في الحياة وهو لا يتخلى عنها ولا يكتب في اتجاه مخالف مهما كان العرض مغريا، وهذا ما حدث مع محفوظ عبدالرحمن فقد رفض عملين مهمين كانا سيدران عليه مبالغ محترمة فقط لأنه لم يشعر بالارتياح وشعر أنها ستخالف قناعاته وإن بشكل غير مباشر. كان يكتب السير والتاريخ القديم والحديث، وكان بطيئا في الكتابة لأنه أراد الخلود لأعماله. وبالرغم من أنه كتب ثلاثة أعمال رائعة وناجحة للسينما لكنه لم يكتب أكثر لأن الكتابة للسينما لم تستهوه، وفضل عليها الكتابة للمسرح. هذه بعض ملامح من طريقة تفكير كاتب دراما عظيم، لعلها تكون مثالا يحتذى لكل من يخوض هذا الطريق ويريد شهرة وتقديرا مثل التي حظي بها محفوظ عبدالرحمن.
مشاركة :