تلعب اللجنة السعودية الفرنسية المشتركة دوراً محوريًا في تعزيز العلاقات الاقتصادية بمفهومها الشامل بين البلدين، فضلاً عن ترسيخ هذه العلاقات وتناميها عاماً بعد آخر، بالصورة التي يتمناها قادة البلدين، وتنعكس بالإيجاب على الشعبين الصديقين. ونجح ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في عام 2015، عندما كان ولياً لولي العهد، في تطوير أعمال هذه اللجنة بأسلوب نوعي، أسفر عن نموها بشكل سريع أكثر من ذي قبل، وذلك بعد حقبة طويلة من الزمن، شهدت الكثير من اللقاءات والنقاشات والمباحثات بين الطرفين، بغية الوصول إلى أرضية مشتركة، ينطلقون من خلالها إلى آفاق رحبة. وتشهد أعمال الاجتماع الثاني للجنة، على حجم الجهود التي بذلها سمو الأمير محمد بن سلمان، لتعزيز العلاقات الشاملة مع الجانب الفرنسي، ففي هذا الاجتماع، كانت هناك حزمة من الاتفاقات والتعاقدات بين البلدين في العديد من المجالات التنموية والاقتصادية، بمليارات من اليورو، يضاف إلى ذلك، حرص الجانب الفرنسي على أن يكون له دور في تنفيذ مشاريع رؤية المملكة 2030، الأمر الذي سرع من وتيرة التعاون والشراكة بين البلدين. الطريقة التقليدية وفيما حلّ اليوم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ضيفًا على باريس وهو أمر يتوقع معه أن تنطلق اللجنة السعودية ـ الفرنسية المشتركة في دورتها الحالية في صياغة المزيد من مشروعات التعاون الثنائي بين الجانبين، في إطار الشراكة الاستراتيجية في مجالات الاقتصاد والتنمية وتنفيذها وتقويمها، وهو ما يحرص عليه الجانب السعودي، شريطة أن يخدم متطلبات رؤية 2030 بجميع أهدافها وتطلعاتها. وأطلقت أعمال هذه اللجنة السعودية ـ الفرنسية المشتركة عام 1996، وكان الطرف السعودي ينتظر منها أن تنبه رجال الأعمال والصناعيين الفرنسين إلى ضرورة التخلي التدريجي عن الطريقة التقليدية التي كانوا يتعاملون من خلالها من قبل مع المملكة، باعتبارها سوقاً لاستيراد المنتجات والخدمات الفرنسية واستبدالها بطريقة أخرى، تقوم على إدارج هذه المنتجات والخدمات في إطار أوسع، يأخذ في الحسبان حاجة السوق السعودي لاستيعاب المنتج الفرنسي، وحاجتها أيضاً إلى الاستثمارات المالية والكفاءات البشرية الفرنسية، وحاجة المملكة إلى الاستفادة من المعارف والتكنولوجيا الفرنسية التي تساهم في إرساء العملية التنموية الشاملة على الصعيدين الوطني والمحلي. التغلب على التحديات وقد ظل رجال الأعمال الفرنسيون والسعوديون طوال قرابة 10 سنوات، أي طوال نحو نصف عمر الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وحتى الآن يقضون جانباً من اجتماعاتهم الدورية غير المنتظمة، وهم ينحون باللائمة على بعضهم البعض، فالطرف السعودي كان يقول إن الطرف الفرنسي بطيء إلى حدٍ كبير في فهم فلسفة الشراكة الاستراتيجية وأبعادها، بينما كان الطرف الفرنسي يقول إن الإطار القانوني السعودي المتصل بعالم المال والأعمال من جهة، والإطار الذي كان مسموحاً بالتحرك فيه بالنسبة إلى الشريك الأجنبي، ولاسيما الذي تقوم بين بلاده والمملكة شراكة استراتيجية من جهة أخرى كانا بحاجة إلى تعديل وضبط. وقد شعرت المملكة وفرنسا خلال العقد الثاني من عمر الشراكة الاستراتيجية بينهما أن الوقت قد حان لوضع مشروعات التعاون والتبادل في مجالات الاقتصاد والتنمية بمفهومها الشامل في إطار سياسي يمنحها مزيداً من الفاعلية. وأدى الشعور بدخول الشراكة إلى مرحلة النضج إلى إنشاء اللجنة السعودية الفرنسية المشتركة. الدورة الاقتصادية وقد تم إقرار هذه اللجنة على إثر الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند إلى المملكة خلال عام 2013. وتم الاتفاق بين الطرفين السعودي والفرنسي على أن تكون لها بعض الأهداف التي تعمل عادة اللجان المشتركة على تحقيقها، ومنها تسهيل اللقاءات بين الأطراف الفاعلة في الدورة الاقتصادية والتنموية وأهداف أخرى تستجيب لحاجات مسار التنمية السعودي الملحة في عدد من القطاعات، منها الطاقة والنقل والصحة والزراعة والصناعات الغذائية، وعقدت اللجنة اجتماعها الأول في باريس في أكتوبر عام 2014. وعقد اجتماع اللجنة الثاني في الرياض في أكتوبر عام 2015 بدعوة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، عندما كان وليًا لولي العهد، وقد أسفر الاجتماع عن التوقيع على عدة اتقاقيات ومذكرات تخص إحداها استتثمارات سعودية في صناديق فرنسية خاصة بمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وتتعلق أخرى بإنشاء مركز للبحوث المتصلة بصناعات الملاحة البحرية، وبلغت قيمة العقود الإجمالية التي أبرمت في هذا الإطار قرابة 10 مليارات يورو. واتفق الجانبان الفرنسي والسعودي خلال هذا الاجتماع على إطلاق مشاريع تعاون أخرى، وهناك مشروعات ترمي إلى تنمية أسطول الخطوط الجوية السعودية وتطوير النقل عبر السكة الحديد لاسيما مشروع مترو مكة ومشروعات أخرى تهدف إلى تطوير كفاءة الثروات البشرية السعودية والبنى التحتية التي لديها علاقة بالدفاع الوطني، ومنها مشروع تزويد المملكة بأقمار اصطناعية للمراقبة والاتصالات. وهناك قناعة لدى الطرفين الفرنسي والسعودي، بأن المشروعات التي لديها علاقة بتوسيع دائرة الاستفادة من الجامعات ومراكز الأبحاث الفرنسية وتبادل التجارب في إطار التأهيل وإعادة التأهيل والتركيز على بعض القطاعات، منها قطاع مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة والطاقة الذرية وإدارة الثروات الطبيعية إدارة رشيدة على ضوء التغيرات المناخية من شأنها فتح فرص كثيرة جديدة للقطاعين العام والخاص في المستقبل في كلا البلدين. الصفقات العسكرية وفي أول اجتماع لـ"اللجنة المشتركة الفرنسية السعودية"، الذي عقد في باريس في 2015، برئاسة الأمير محمد بن سلمان للجانب السعودي، ولوران فابيوس للجانب الفرنسي، توصل الطرفان إلى اتفاقات عدة، أهمها عقد لبيع الرياض مروحيات إيرباص، وبدء دراسة جدوى حول بناء مفاعلين نوويين في المملكة، ما يلقي الضوء على تقدم العلاقات بين الدولتين. وأعلنت فرنسا ـ آنذاك ـ أن الدولتين تبحثان 20 مشروعاً بعشرات مليارات اليورو، وتم الإعلان عن عقد يتمثل بشراء وزارة الداخلية السعودية 23 مروحية من طراز إيرباص إتش 145 بسعر 500 مليون يورو. وأعلن عن قيام فرنسا ببيع 30 طائرة إيرباص أ320 و20 إيرباص 33 لشركة الخطوط الجوية السعودية خلال معرض لوبورجيه للطيران، بقيمة إجمالية قدرها 8 مليارات دولار (7,1 مليار يورو). كما أعلن أيضًا عن "تعهد" السعودية بشراء 30 سفينة دورية سريعة لتعزيز قدرات خفر السواحل السعودي. وقدرت أوساط قريبة حجم الاتفاقات بين البلدين بـ 12 مليار دولار. وفي إطار زيارة سابقة للأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا، عندما كان وليًا لولي العهد، وقعت السعودية مع فرنسا على برنامج تعاون فني في المجال الصناعي مع وزارة الاقتصاد والصناعة الفرنسية. ويضمن البرنامج التعاون في تنمية الصادرات الصناعية للبلدين وزيادة حجم التجارة البينية وتبادل المعلومات التجارية والصناعية. كما يهدف البرنامج إلى مساندة وزيادة القدرة التنافسية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة.
مشاركة :