عبد اللطيف الزبيدي هل يصير الموروث الثقافيّ، بمرور الزمن، عقليّة جمعيّة تنعكس على جميع مجالات الحياة؟ ثمّة من يشك في الوجه العلميّ لهذا الطرح، معتقداً أنه لا وجود لشيء من قبيل العقل الجمعيّ أو التفكير الجماعيّ. لكن إذا كان صعباً أو مستحيلاً إثبات انتقال طرائق التفكير عبر المورّثات، وأن يسجّل على أشرطة الحمض النوويّ، فمن السهل البرهنة على «تخصّص» الشعوب والأمم في ميادين دون غيرها، واشتراكها في سلوكيات تتألق فيها وتتفوق، أوتتردّى بها فتتخلف عن الطلائع. من سخريات المصطلحات أن الأنظمة الشمولية هي الأشدّ افتقاراً إلى النظرة الشمولية. هي تتميّز بالتجزيئيّة للأشياء. هذه انعكاس لعقليّة، لسلوك ذهنيّ، لطريقة تفكير تصبح سمة معيّنة مشخّصة. للخروج من التنظير إلى التمثيل الواقعيّ، نذهب إلى البعيد لنقارنه بالقريب، خذ مثلاً العلاقة بين طريقة التفكير وصور الخيال في ميراث الغزل العربيّ، وبين طريقة التفكير في الإدارة والتنمية والسياسة في العالم العربيّ طوال العصر الحديث، ففيهما سلوك ذهنيّ واحد يحكم كل ذلك على اختلاف الأزمنة والأمكنة. انعدام العمل الجادّ على فهم طريقة التفكير سعياً إلى حل المشكلات المترتبة عليها، هو الذي يحول دون الانعتاق من الحلقة المفرغة التي ظل العالم العربي يدور فيها. مركبة العقل مغرّزة في الطين وتحتاج إلى تخليصها للانطلاق. في الغزل الموروث، نرى المرأة أجزاء متباينة يربط بينها مونتاج الخيال السرياليّ اللامعقول: الوجه قمر، الشعر ليل، الحاجب سيف، الوجنة ورد أو نار، الأنف مرود، العين نرجس أو عين مهاة، الدموع لؤلؤ، الأسنان بَرَد، الجيد والساقان من الغزال. لا شيء عن روحها وفكرها ومشاعرها ودورها ورؤيتها للحياة والمجتمع والرجل بالذات. في«المقلب» الآخر، نرى هذه العقلية تحكم التنمية. ميادينها لا تربطها رابطة: التعليم منفصل عن التنمية، الاقتصاد بلا تخطيط شموليّ، البحث العلميّ والاستثمار فيه وإنتاج العلوم أبواب مغلقة مهمَلة، بالتالي لا تطوير للصناعة والزراعة والتقانة، في أغلب البلدان العربية ديون وعجز ميزانية ما يُنزل المصائب على دماغ الصحة والإسكان والبنية التحتية ويهمّش الطاقات ويورث البطالة ويزعزع الأمن والاستقرار، القضاء غير مستقل فتكثر المظالم، والثقافة فنونها وآدابها كانتونات. هذا المشهد متكرّر في بلدان عدّة، فتأمّل أداء الجامعة العربية، سترى هذه الظاهرة سائدة. ستدرك جماليات تغزّلنا بالأمّة العربية، جسدها مجزّأ، ولا أحد يسأل عن روحها ودورها وأحاسيسها وآرائها، ولماذا طرحوها أرضاً وكثرت سكاكينها؟ لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: من هو ذلك الساخر الذي اشتق الإدارة من دار يدور دورانا، في حلقة مفرغة؟ abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :