الجزائر - تعمل الجزائر على التأسيس والترويج لتجربة الوسطية الدينية، لدى شركاء فاعلين في المجموعة الدولية كفرنسا والولايات المتحدة، من أجل إثبات جدارتها في التوفيق بين الحرب على الإرهاب والحرب على التطرف الديني، وهو ما يصطدم بتشكيك من قبل مراقبين يعتبرون أن الجزائر غير مؤهلة للقيام بهذه المهمة. وأعربت نخب سياسية فرنسية عن عدم اقتناعها باستعانة باريس بكوادر دينية جزائرية لإدارة شؤون المساجد خلال شهر رمضان القادم، على خلفية الجدل القائم حول تغلغل التطرف الديني والأيديولوجي للأئمة. وهو ما يعكس عدم اطمئنان تلك الدوائر للكوادر الجزائرية في اضطلاعها بإمامة رواد المساجد خلال الشهر المذكور، والتشكيك في جدوى الاستعانة بالتجربة الجزائرية، وعدم توافقها مع التصور الفرنسي في التعاطي مع الإسلام. وتم استقبال البعثة الأولى المكونة من نحو مئة إمام جزائري، بجدل حول جدوى الاستعانة الفرنسية بالخبرة الجزائرية في المجال الديني، ومدى سلامة هؤلاء من أفكار التطرف والغلو، كما هو شائع في معظم الدول العربية والإسلامية، لا سيما في ظل تأسيس السلطات الفرنسية لما بات يعرف بـ”الإسلام الفرنسي”. ويرتبط البلدان باتفاقيات تعاون في مجال إدارة وتأطير المساجد والمصليات، خلال المواسم الدينية الكبرى على غرار شهر رمضان والأعياد الدينية والحج، حيث تتكفل الجزائر بإيفاد بعثات دينية لتأطير دور العبادة خلال المواسم المذكورة. وطرحت العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش في فرنسا جدلا في الأوساط الفرنسية حول تغلغل أفكار التطرف وطريقة تسيير دور العبادة الإسلامية، بعد تحولها إلى حاضنة للتشدد، لا سيما بعد أن ثبت أن منفذي تلك العمليات فرنسيون من أصول مغاربية، أو فرنسيون على احتكاك أيديولوجي بالناشطين في محيط المساجد والمصليات الفرنسية. إقصاء زعيم التيار السلفي للصوفييين والإباضيين من المذهب السني يعزز الاتهامات بانتشار التشدد في الجزائر وكان وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى، أكد في تصريحات صُحفية، أن الأئمة المعنيين بالانتقال إلى فرنسا لتأطير المساجد خلال شهر رمضان، ملزمون بالتحكم الجيد في اللغة الفرنسية، وباحترام أصول ومبادئ العلمانية وخصوصيات المجتمع الفرنسي. وذكرت الناشطة السياسية من أصول جزائرية جنات بوغراب، أنه “من المزعج الحديث عن صنع الإسلام الفرنسي، من خلال استقدام أئمة جزائريين”. وألمحت إلى أن استقدام الأئمة الأجانب لتأطير المساجد الفرنسية، حتى لو كانوا من الجزائر “لا يعطي الأمان من خطر انتشار التطرف والعنف، لأن الجزائر نفسها لم تسلم من دموية الأصولية الإسلامية، وهي أيضا عانت من تغلغل هذا التيار من جهات خارجية”. وأكدت بوغراب أن الجزائر تعاني بدورها من تمرد المؤسسات الدينية على توجهات السلطة لنشر الإسلام المعتدل، فهناك المئات من المساجد ودور العبادة خارج رقابة وزارة الشؤون الدينية، وتركة الأفكار الإخوانية والسلفية ليست وليدة اليوم في الجزائر، ويمكن أن تتسلل حتى إلى عمق المؤسسات والهيئات الرسمية. وذهب الكاتب الفرنسي من أصول جزائرية بوعلام صنصال، إلى أن “الجزائر لا تزال تعاني من الأصولية، وأن الإسلام الأصولي ما زال موجودا في الجزائر، ومخزنا بين الشعب والمؤسسات، وما زالت أفكار الأصولية قادرة على تجديد نفسها باستمرار”. وهو ما يؤيده رئيس الحكومة الفرنسية السابق مانويل فالس، المثير لما عرف بـ”مشكلة الإسلام في فرنسا”، إذ يعتبر السلفية عدوا يسمم الدين الإسلامي، وأنه بات لزاما على السلطات الفرنسية حظر مثل هذه الأفكار والحد من تغلغلها في أوساط المجتمع الفرنسي، لا سيما في الضواحي التي تقيم فيها الجاليات العربية المهاجرة. ويعارض رئيس الحكومة الحالي إدوارد فيليب فكرة الحظر لأنها تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين، شريطة ألا يصبح المظهر السلفي مصدر إزعاج للنظام العام في فرنسا. ورغم جهود إرساء توجه الوسطية والاعتدال الديني من طرف الحكومة الجزائرية، وغلق المجال أمام أفكار التطرف، ما زالت الجزائر تصطدم بمقاومة داخلية من طرف بعض التيارات الدينية. ومؤخرا أثار زعيم التيار السلفي محمد علي فركوس جدلا من خلال فتوى تقصي مختلف المدارس الدينية مما يعرف بـ”أهل السنة والجماعة”، الأمر الذي يثبط جهود التكوين المعتدل للأئمة وأساتذة التعليم الديني، ويعزز الشكوك في مدى قدرة الجزائر على تجاوز أتون التطرف نحو الوسطية والاعتدال. وتراهن الجزائر على ربح رهان الاعتدال ومحاربة التطرف والعنف الديني، من أجل إقناع شركائها في الغرب بجدارة تجربتها في محاربة الإرهاب، ومحاصرة بؤر التشدد الديني وحواضن الحملات الدعائية، عبر إرساء برامج لتكوين الأئمة والكوادر المشرفة على المساجد والمؤسسات الدينية، فضلا عن دعم خطاب وسطي ينبذ جميع أشكال التطرف. وكشف وزير الشؤون الدينية والأوقاف في تصريح للإذاعة الحكومية، عن نية لدى الإدارة الأميركية في الاستفادة من التجربة الدينية لبلاده، من خلال “إرسال وفد من الأئمة الأميركيين لتلقي تكوين ديني في المؤسسات الجزائرية، بعد نجاح تجربة فرنسا في الاستفادة من الكوادر المحلية”.
مشاركة :