ناصر الظفيري... باح كما ينبغي في «حروف»

  • 4/11/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تحظى مسيرة الروائي ناصر الظفيري بقدر كبير من المصداقية، والإخلاص للمعنى الذي تشير إليه حالته الإبداعية القلقة- في معظم أوقاتها- المتنامية إلى أقصى حدود الحلم - في كل أوقاتها - المنفتحة على الكون بكل ما يحتويه من تضاد وتناقض وانقسام وتضارب، المتناغم- بشدة- مع رؤى مغايرة لا يمكن الوقوف على حدودها ورؤية أطرافها وجهاتها، إلا من خلال التأمل والتفكير، والاستغراق التام في حالاته الإبداعية، التي سنكتشف أنها في رواياته مفعمة بالصدق ومتأصلة بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء، وقتها سنكون ممتنين لها، لأنها أوصلتنا إلى حقائق ورؤى ربما غابت عنا ونحن نتنفس الحياة بعمق ظروفنا وانشغالاتنا، كل ذلك سنلمسه بفضل ما تتمتع به تجربة الظفيري من توهج حقيقي، في عزلة تامة عن البهرجة الخادعة، والتصنع المرائي، والتمسح في أستار الجوائز التي تمنح حسب المواصفات، والحالات والأمزجة.إنه المبدع الذي يعمل في صمت، ولا ينتظر من وراء ذلك إلا أن تكون نفسه راضية، مطمئنة إلى أنه يؤدي الدور الإبداعي، بالطريقة التي تليق بحلمه، وروحه المتفردة بالجمال.وهو الأديب الذي لم تتغير ملامح ذكرياته في وطنه الكويت- الذي لم ير له بديلا- رغم الترحال والبعد والتشظي في المنافي والبلاد، إنها الملامح التي يتعايش معها بكل جوارحه في ربوع المكان الذي شهد طفولته وصباه، ولا يزال يشهد مراحل أخرى من عمره.الظفيري... الصديق الذي لم أره إلا مبتهجا بالحياة منفتحا على مشاعر الترحيب والطمأنينة، في سعادته الموقتة، أو آلامه الكثيرة التي تتوزع على كثير من الأزمنة القريبة والبعيدة، إنه الصديق الذي لا تفارق محياه الابتسامة والنكتة والحديث المرح، هو نفسه الذي قد تستشرف الألم من بين سطور رواياته، وتتمرس على الحزن والغياب من خلال ما تبثه مشاعر أعماله الروائية من لوعة وافتقاد، غير انه استشراف قد يضعك بعفوية وحب على الطريق الصحيح الذي يتعين عليك ان تسلكه.والظفيري... كان لي متعة التعرف على كتاباته الروائية منذ تسعينات القرن الماضي، ومن ثم التعرف عليه شخصيا، بملامحه البدوية الخالصة، وحفاوته بكل من يعرفه أو لا يعرفه، إلى درجة أنه يصنع بسهولة حوارا لطيفا ومرحا مع شخص قد يكون قد التقاه لأول مرة في حياته... فالظفيري عرفته منتميا لهذا البلد الطيب، روحا ونفسا وإبداعا، ومع ذلك كان يحلو لي أن أصنفه على أساس أنه «بدون» أحقاد يتعامل مع الناس و«بدون» رتوش يخرج إلى الإنسانية معلنا طيبته وسماحته و«بدون» تصنع يكتب الرواية و«بدون» حدود يتمشى في شوارع الأرض، و«بدون» اسلحة يواجه الألم، و«بدون» خوف يخرج معلنا إنسانيته، و«بدون» خجل يفتح دفاتر أحزانه، و«بدون» اعتراض يتقبل القضاء والقدر، و«بدون» حفاوة يقبل على المنفى الذي لم يكن له القدرة على الهروب من وطأته، و«بدون» زمن يرسم تواريخ أحلامه، و«بدون» دونية ينظر إلى العالم من علٍ.إنه المبدع الذي تشاركنا معه الألم والسعادة «بدون» أن نكون قادرين على التخلي مطلقا عن حلمه في السعادة.وها هو الظفيري- صاحب الروايات الفاضحة للواقع، الكاشفة لما يعتمل في المشاعر من حلم وحزن وسعادة وألم- قد حلّ ضيفا على «حروف» الثقافي في مكتبة صوفيا في مجمع بروميناد من خلال ندوة حوارية عنوانها «الغربة بين اللغة والهوية» تلك التي اتسمت بما يشبه المصارحة النفسية بين الظفيري ومحبيه من جمهور جاء يشاركه أحلامه وذكرياته حديثا وتفاعلا، والندوة أدارها الكاتب عبدالعزيز العوضي.وتحدث الظفيري في الحوار عن اللغة التي يرى أنها أداة تواصل وليست هوية، وقال: «كونك تعلمت اللغة الإنكليزية أو الفرنسية في بلدك، وكانت لديك القدرة أن تكتب بتلك اللغة، فهذا لا يعني أنك انسلخت عن هويتك الثقافية».وأشار الظفيري إلى تجربته الشخصية في كندا بقوله:«كان هناك الكثير من المهاجرين البدون، الذين هاجروا قبلي، ويعملون في مصانع على سبيل المثال، لم يتعلموا اللغة الإنكليزية، وكل الذي يعرفونه من هذه اللغة كلمات تصلح لقضاء حاجاتهم اليومية فقط، ثم ظهرت بعد ذلك فجوة بين هوياتهم وهويات أولاده الثقافية، تلك الفجوة التي تكون بين الأب والابن، بسبب تنوع ثقافي مختلف في البيت الواحد». وأشار الظفيري إلى الهوية في الكتابة وقال: «من وجهة نظري لا علاقة نهائيا للهوية باللغة هذه وسيلة تواصل والأخرى انتماء وثقافة، وحضارة، وتاريخ طويل».وتحدث الظفيري عن تأثير الزمن على أعماله السردية وتعامله معها، قائلاً: «في أي عمل أو رواية يجب أن يكون الزمن هو البطل، سواء كان حضور تقنيا، أو فعليا». وفي ما يخص النقد شدد على ضرورة وجود نص مواز للنص الإبداعي- نقدي- بمعنى أن يتحول النص النقدي من كونه نصا أدبيا إلى نقد ثقافي، مؤكدا أن النقد الأدبي هو إضافات للنص. وقال: «في الكويت مثلا لدينا على سبيل المثال الدكتورة سعاد العنزي، والكاتب فهد الهندال، والبقية مجرد دراسين أو مدرسين بعيدين تماما عن كتابتنا وعالمنا الروائي». وكشف الظفيري عن أن الحركة الروائية في الكويت متميزة، وأنه حتى عام 90 كان هناك مجموعه قليلة من الكتاب أمثال اسماعيل فهد إسماعيل، وليلى العثمان، وطالب الرفاعي، وبعد 2000 ظهرت أسماء لروائيين متميزين مثل سعود السنعوسي، وبثنية العيسى، وخالد التركي، وغيرهم.

مشاركة :