د. أحمد فؤاد أنور تعرضت الجهود «الإسرائيلية» لتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية مؤخراً للطمة جديدة، فبعد إلغاء قمة توجو في سبتمبر 2017، تعرضت العلاقات مع عدد من الدول الإفريقية لنكسة جديدة، على الرغم من أن «إسرائيل» أرسلت وزير حربها أفيجدور ليبرمان في جولة إفريقية في مارس الماضي لترميم الشروخ، وصياغة قمة «إسرائيلية» إفريقية ترفضها الدول العربية بشكل علني.. فما هي أبرز الصعوبات التي تواجه جهود توسيع رقعة الاختراق «الإسرائيلي» لإفريقيا؟نشأت «إسرائيل» على طرفي نقيض من حركات التحرر الإفريقية، ولعل أوضح مثال على العنصرية «الإسرائيلية»، هو العلاقات الوثيقة بين «إسرائيل» ونظام التفرقة العنصرية البائد في جنوب إفريقيا.. وأحدث تطورات العلاقات ««الإسرائيلية»» - الإفريقية ترتبط بمساعي «تل أبيب» إيجاد حل دائم لمشكلة عشرات الآلاف من اللاجئين والباحثين عن عمل الذين قدموا عن طريق التسلل ودخلوا «إسرائيل» بطرق غير شرعية، وتوصل نتنياهو لاتفاق مع الأمم المتحدة وتحديداً مفوضية غوث اللاجئين والذي كان يقضي بترحيل حوالي 16 ألف متسلل قدرهم البعض بنصف عدد المتسللين وإن كانت هناك إحصائيات ترى أن إجمالي العدد الفعلي يصل إلى 70 ألف نسمة. تبعات الأزمة وتداعيتها على الدبلوماسية «الإسرائيلية» ومساعيها لاختراق إفريقيا وترسيخ علاقاتها مع دول إفريقية جديدة، تتمثل في خلاف داخلي «إسرائيلي» وتخبط يمكن إدراكه من خلال خطاب لنتنياهو بحضور وزير داخليته آرييه درعي يعلن فيه أنه لن يتم طرد المتسللين، ثم يعود هو ذاته بعد 6 ساعات و45 دقيقة ليعلن إلغاء الاتفاق مع الأمم المتحدة في واقعة غير مسبوقة منذ قيام المنظمة وحتى اليوم. وكانت «إسرائيل» تغض الطرف عن الظاهرة، بل وتغوي أحياناً المتسللين على القدوم بشكل انتقائي جعل نحو أكثر من 90% من المتسللين من إريتريا والسودان وليسوا من دول أخرى يتعرض سكانها لمذابح واضطهاد! فضلاً عن أن استمرار تدفق المتسللين على الحدود منذ منتصف التسعينات وحتى الانتهاء من تشييد سياج أمني كان مستغرباً، نظراً لأن القوات «الإسرائيلية» لم تخش أن تقع في شرك أو خدعة فيتم استهداف القوات «الإسرائيلية» بأسلحة نارية أو أحزمة ناسفة مما يدل على تنسيق مسبق مع أطراف عديدة، على رأسها عصابات جنائية محترفة. خلال الأيام القليلة الماضية تصاعدت أزمة المتسللين وأثرت بالسلب في العلاقات مع دول إفريقية عديدة، خاصة أن عملية تجميع الأفارقة في جنوب «تل أبيب» واعتقال أعداد كبيرة منهم ثم عرض ثلاثة آلاف دولار على من يرحل طوعاً فاقمت المشكلة ولم تقدم حلاً للأوضاع المتردية التي تم التعبير عنها بمظاهرات حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف من الأفارقة ومن المتعاطفين معهم.. وحين سارعت الحكومة «الإسرائيلية» بالتأكيد على أنها أبرمت اتفاقاً على ترحيل الأفارقة إلى دولة إفريقية ثالثة غير التي قدم منها المتسلل، وأن على رأس تلك الدول رواندا وأوغندا صدر نفي من تلك الدول وفشل الاتفاق، وحمّل نتنياهو نتيجة هذا الفشل لمنظمات وجمعيات يسارية «إسرائيلية»، زعم أنها أفسدت المخطط. في المقابل أكد روعي باراك رئيس تحرير مجلة لوبس«اليهودية في حسابه الشخصي على «تويتر» أنه لا يزال في الإمكان الاتفاق مع دول إفريقية عديدة لترحيل المتسللين حتى ولو تم استبعاد الدول التي تعاني حروباً ومذابح ! وفي جميع الأحوال فقدت «إسرائيل» قدرتها على ردع من يفكرون في القدوم ل«إسرائيل» حتى ولو استعانت في هذا بدعاية تبين أنها عنصرية.. حيث ذكر أحد المعلقين اليمينيين على حسابه الشخصي على «الفيسبوك» أنه من الضروري ترحيل المتسللين لرواندا في جميع الأحوال كحل للأزمة المتفاقمة مؤخراً قائلاً: ربما لا تكون رواندا آمنة بشكل كامل، وربما تكون نسبة البطالة فيها مرتفعة، لكن في جميع الأحوال لا ينبغي أن تكون «إسرائيل» بمثابة «مكتب تشغيل لقارة إفريقيا». من جانبه قارن المدون رون انبار بين أوضاع الأفارقة في «إسرائيل» والفلسطينيين في الضفة، فكتب يقول: عملية ضم جزء من الضفة الغربية (المنطقة سي) بسكانها لا تمثل خطراً ديموغرافياً على «إسرائيل»، لأن «إسرائيل» تقوم حالياً بتوطين عشرات الآلاف من الأفارقة سيقومون لاحقاً بتوحيد عائلاتهم أي استقدامهم للعيش في «إسرائيل» وفي وقت قصير سنجد كل إفريقيا تقيم في «إسرائيل». الأوضاع الأمنية والخدمية في المناطق التي يتركز فيها الأفارقة تدهورت إلى حد بعيد، ما دفع البعض للتفكير في ترحيل أعداد منهم لدول غربية إذا وافقت ودولة إفريقية ثالثة واستيعاب من يتبقى في أماكن متنوعة وليس مكاناً أو مكانين (جنوب «تل أبيب»، وإيلات حالياً). وفي هذا السياق أعلن نتنياهو في مؤتمر صحفي أن السياج الأمني مع مصر منع قدوم مليون إفريقي سيراً على الأقدام كل عام بعد عشر سنوات فقط، وحالياً إجمالي المقيمين في «إسرائيل» 60 ألف متسلل.. وبالتفاوض مع دول إفريقيا وبالتفاوض مع المحكمة العليا سنخرجهم، وسرعان ما خرجت صحيفة «يسرائيل هيوم» تدافع عن نتنياهو وطريقة تعامله مع الأفارقة وتتهم معارضيه بالكذب والتلون. يذكر أن العلاقات «الإسرائيلية» الإفريقية ترتكز وفقاً لآرييه عوديد، السفير والأستاذ الجامعي (عمل في أوغندا ثم في عدد من دول القارة السوداء منذ عام 1961) على اتصالات سبقت حصول عدد من الدول الإفريقية على استقلالها وتقرر عام 1958 تأسيس صندوق للمساعدات الفنية للدول الآسيوية والإفريقية بميزانية 70 ألف ليرة فقط. وذكر أن في نفس العام قامت وزيرة الخارجية «الإسرائيلية» جولدا مائير بأول جولة إفريقية، ثم تعرضت «إسرائيل» لموجة من قطع العلاقات في أعقاب حرب 1967، تزايدت بشدة في أعقاب حرب 1973 حين عبرت قوات «إسرائيلية» للضفة الغربية من قناة السويس (في الثغرة) ما أثار حفيظة الدول الإفريقية، لأنها بذلك اعتدت على جزء من القارة الإفريقية. وهو ما تجاوزته» «إسرائيل» «إلى حد كبير بعد عقد مؤتمر مدريد وتفكك الاتحاد السوفييتي، وعقد اتفاقيات أوسلو بين» الإسرائيليين «والفلسطينيين.. مستفيدة من حقيقة أن حجم التجارة في الخمسة عشر عاماً الماضية بين إفريقيا والعالم قد تضاعف، وأن حجم الديون والعجز التجاري قد قل. وكان نتنياهو قد أنفق أموالاً طائلة غير مسبوقة في جولتين إفريقيتين خلال ولايته الحالية وفقاً لصحيفة «هاآرتس»، ووعد خلالها القادة الأفارقة الذين استقبلوه بأن يلتقي بهم مجدداً في قمة «إسرائيل» إفريقيا في توجو (وهي القمة التي تم إلغاؤها بسبب الأوضاع الأمنية في توجو، حسب البيان الرسمي الصادر). كما سبق لنتنياهو أن وعد الدول الإفريقية «بأنها كلما تغير طريقة تعاملها مع «إسرائيل» ستزدهر اقتصادياً وتكنولوجياً بشكل كبير». وحسب الملحق الاقتصادي ل«هاآرتس» أيضاً فإن «إسرائيل» تشابهت في بدايتها مع دول إفريقية من حيث دخولها في حروب وتعرضها لجفاف وأزمات اقتصادية، ورغم أن أقلاماً أدبية عبرية أبدت تعاطفها مع القادمين من إفريقيا منذ منتصف التسعينات، إلا أن التعامل الأمني معهم، وعدم توافر حد أدنى من الرعاية الإنسانية لهم، يقف حائلاً أمام اندماج «إسرائيل» في إفريقيا وتحقيق طلبها العودة لصفة مراقب في منظمة الاتحاد الإفريقي، فضلاً عن مخططاتها القديمة لاستعمار أوغندا، وتعاونها لسنوات مع نظام الأبارتهايد في بريتوريا مقابل الحصول على شحنات من اليورانيوم. ومع هذا لا تزال «إسرائيل» برئاسة نتنياهو تناور من أجل تقليص أعداد الدول الإفريقية المصوتة ضدها في المحافل الدولية، وكذلك السعي للاستحواذ على خامات وأسواق القارة السمراء من دوائر الفساد تحت ستار التعاون المائي أو الأمني أو الاقتصادي. وهو ما يستلزم منا كعرب مزيداً من المتابعة والتنسيق والتوعية بمخاطر توجهات جسد وعقل عنصري تسري في شرايينه روح احتقار الآخر. أكاديمي مصري
مشاركة :