مثقفون: انتخابات الأندية الأدبية تلاعب وتزوير ... أم ديكتاتورية؟

  • 9/11/2013
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

الانتخابات والنزاهة والتلاعب والتزوير والأدلجة والديموقراطية والديكتاتورية، مفردات عدة برزت إلى السطح، بمجرد أن انطلقت الأندية الأدبية في تطبيق الانتخابات في مجالس الإدارة. وعلى رغم سعي بعض الأندية إلى تمثل القيم الانتخابية، فإن بعضها الآخر لجأ إلى أساليب وحيل كفلتها له اللائحة التي جاءت «عرجاء» بحسب وصف البعض لها، ليستولي على صناعة القرار. لجوء مثقفين طعنوا في انتخابات هذا النادي أو ذاك إلى القضاء لنيل الحق كشف فعلاً عن تلاعب وتزوير، ما جعل المحكمة العليا تلغي، مثلاً، انتخابات نادي أبها الأدبي، وتحل مجلس إداراته. الجدل مستمر حول هذه القضية، ودخل في الخط أعضاء اللجنة المشرفة على الانتخابات، التي لم يعرف أحد ماذا كان دورها طالما أن التصويت وفرز الأصوات في منأى عنها، وكأن دورها فقط التوقيع على نزاهة الانتخابات. هنا عدد من المثقفين يدلون لـ«الحياة» بشهادات حول هذه القضية، التي تشغل المشهد الثقافي وتعيق استمرار الأنشطة في بعض الأندية.   عبدالله الغذامي: التمارين ما زالت حامية كل ما يجري اليوم في أوساط الأندية الأدبية مرده إلى أن التمارين ما زالت حامية وحيوية، نحن في تمارين في العمل الانتخابي، وكما في أي تمرين فإن اللاعبين يتعرضون لأخطاء قد تزيد وتنقص حتى لتصل في بعض حالاتها إلى حد المخاطر، كأن تنكسر رجل أو يد أوتلتوي ركبة، لذا ستلاحظ أن هناك أندية هادئة ومتوسطة الهدوء وأخرى عاصفة، وكل هذا خير فهو يعطي التجربة حيوية واقعية ويجعلها في موضع التجريب والتعرف على أبعادها، ومن ثم تصحيح المسار حسب ما نتعمله من الأخطاء. ويجب ألا نغفل أن معظم الأندية لم تمر عليها تجارب انتخابية سابقة، إذ كانت الانتخابات القديمة في بعضها فحسب، ومر بعض تلك الأندية القديمة باضطرابات حادة، ذكرت بعضاً منها في كتابي (حكاية الحداثة)، وكنت شاهداً على بعض منها وكل مثقفي جدة يذكرون ليلة ساخنة وربما نارية في عام 1399 في موقف مع الأستاذ عقيلان من جهة، والأستاذ العواد ومحمد حسن نصيف وبقية قاعة الانتخابات من جهة أخرى، تم على إثرها إيقاف التصويت. ودارت دورة الأيام لتعاد الجولة مرة أخرى، وجاءت مجموعتنا مع الأخيرة هذه. هنا ليس لنا إلا التركيز على شيء جوهري وهو حاجة المثقفين إلى تفعيل دور الجمعية العمومية وتحريك مفعوليتها لأنها هي صاحبة المرجعية الأصل، بشرط تجنب الاستغاثة بالوزارة كلما غضب شخص أو أشخاص، وعدم اللجوء إلى المحاكم وقطع الطريق على الجمعية العمومية وكأنما نسلب المعنى الأصلي للائحة ونعطل مفعوليتها. مازالت التمارين قائمة ومستمرة وإن بدرجات، وليس لي اعتراض على ما يجري، وأتفهمه بوصفه تمارين لأقدام لم تتقن اللعبة بعد. محمد بن علي المحمود: الرقابة لم تكن بالمستوى الذي ينفي الشبهات ولا أعلم على وجه التفصيل خلفيات ما حدث في انتخابات الأندية الأدبية؛ لأنني لم أحضر أياً من هذه الانتخابات. ومن هنا فحكمي عليها إيجاباً أو سلباً لا يتعدى كونه حكماً على الوقائع المعلنة من جهة، وقراءة لما يُصرّح به الفرقاء المختصمون من جهة أخرى. بداية، يخلط الوسط الثقافي بين واقعه المفترض (بحكم قداسة المهمة الثقافية) وواقعه العملي المتلبس بكل ما يتلبس به بقية الناس. الوسط الثقافي يُفترض فيه النزاهة والانحياز التام إلى الممارسة الديمقراطية. هذا هو المفترض، ولكن ليس هذا هو الواقع بطبيعة الحال. فعالم المثقفين هو فرع اجتماعي على عالم أوسع، أي على ثقافة مجتمعية أشمل وأعمق. وهي لدينا للأسف ثقافة معادية للشروط الثقافية التي يبنى عليها الوجود الديموقراطي، حتى وإن كانت تتعشق الديموقراطية في هذا المجال المحدود أو ذاك، حقيقية أو ادعاءً!. هذه مقدمة ضرورية، لأن الخلط بين المفاهيم المعيارية من جهة والواقع المُتعيّن من جهة أخرى، يزيد الأمر التباساً. ولا شك أن وقائع كثيرة في التاريخ القريب والبعيد تعزز فرضية تفشي الأمراض الاستبدادية في الوسط الثقافي أو الذي يدعي أنه ثقافي. وما مواقف كثير من المثقفين المصريين في الأحداث الأخيرة التي أيدوا فيها ضمنياً الاستبداد وبالمطلق، إلا دليلاً على ما يؤكده المفكر اللبناني القدير: علي حرب، من كون الوسط الثقافي ليس بمعزل عن كل أنواع التشوهات التي إن لم تزد على بقية الأوساط فهي لا تقل عنها. هذا يعني أن المناداة برقابة مباشرة وصارمة على كل عمليات الانتخاب التي تجري في الوسط الثقافي لا تتعمد خرق الرؤية القدسية التي يتراءى بها عالم المثقفين، إذ لا وجود لهذه القدسية أصلاً، وإنما تتعمد على وجه التحديد التعامل مع هذا الوسط بافتراضه ميداناً للنوازع البشرية الطبيعية التي تدفع في حال غياب الرقابة الصارمة لممارسة كل اختراق قانوني؛ ما دام هذا الاختراق يدفع في اتجاه تحقيق مطامع الذات. من خلال التصريحات التي أدلى بها المعنيون، اتهاماً ورداً ؛ يتضح أن الرقابة لم تكن بالمستوى الذي ينفي الشبهات، فضلاً عن الأحكام الإدارية الصادرة. وفي تقديري أن الرقابة في مثل هذه الحال لا تحتمل الحل الوسط، فإما أن تكون رقابة مباشرة، مكتملة الشروط، وإنما ألا تكون رقابة. أقصد، إما أن يباشر المراقبون كل خطوات العملية من الألف إلى الياء، وإنما أن يعلنوا أنهم لا يتحملون مسؤولية نزاهتها. وبطبيعة الحال، لا بد أن تكون الرقابة مستقلة تماما، وبعيدة عن شبهات إرادة الهيمنة من أية جهة كانت، وإلا فلا قيمة لها، ولا تعدو في مثل هذه الحال أن تكون النتائج فيها نتائج كاريكاتورية كبقية نتائج 99,99في المئة! لا أقصد النتائج من حيث النسبة التي لا مجال لها هنا، وإنما من حيث مستوى النزاهة. لا يخفى على أي مهتم بالعمليات التَّشاركية أن أي غموض يكتنف أياً من خطوات العملية الانتخابية يزيد مساحة الشك على حساب مساحة الثقة. ومن هنا لا بد أن يجري كل شيء في العلن، حتى الذي يرفض الممارسة الديمقراطية لا بد أن يرفضها في العلن دون أن يحتال عليها وعلينا، فيصبح كمن يمنحها لنا باليمين ليأخذها بالشمال. وفي النهاية، لا بد من التأكيد على أن المثقف كائن ديمقراطي بالضرورة، أقصد من حيث انحيازه على مستوى المبدأ لا على مستوى الممارسة التي هي عرضة لكل صور الانتهاك. وبناء على ذلك، فمن لم يكن ديموقراطياً من حيث المبدأ فلن يكون مثقفاً حقيقياً؛ مهما كان حجم الادعاء.   عبد الرحمن الحبيب: ديموقراطية أم ديكتاتورية، كل البدايات الجديدة تواجه تحديات قد تتعثر في بعضها، ومنها الانتخابات في الأندية الأدبية التي أرى أنها تجربة ناجحة بالمجمل على رغم ما شهدناه في بعضها من أزمات. أنا مع الانتخابات بلا تحفظ، بل ومع مزيد من الاستقلالية للأندية، ولندع مبدأ التجربة والخطأ يطورنا بطريقة طبيعية ككافة المجتمعات المتحضرة. أما الخوف من الأدلجة وأن بعض الذين شاركوا بالانتخابات وفازوا فيها ليس لديهم اهتمامات أدبية ولا فنية ولا حتى ثقافية بل لديهم ميول أيديولوجية استبدادية ستعيق مسيرة الأندية التنويرية، وسترفض التعددية من خلال فرض أيديولوجيتها. أي أنها ستكون ضد الأدب وضد الديموقراطية، هذه مردود عليها من ناحيتين: الأولى أن الأندية يشرف عليها جهاز إداري أعلى، وهي محكومة بأنظمة ولوائح لن تسمح بالاستبداد، والثانية أن النتائج في معظم الأندية كانت متنوعة دون احتكار، فضلاً عن أن المثقفين لن يسمحوا بإدارة غضة أن تلغيهم. وفي كل الأحوال فإن التجربة أثبتت أنه في الحالة التي فاز بالأغلبية تيار معين فإنه لم يستبد بنشاطات النادي لمصلحة هذا التيار. فلا خوف من الانتخابات مهما كانت نتائجها إذا كانت الممارسات محكومة بالأنظمة والقوانين من خلال مؤسسات رقابية وإشرافية.. لم أتابع انتخابات «أدبي أبها» ولا ما حصل بعدها، لكن حسب متابعتي لما حصل في بعض الأندية الأدبية فأظن أن تجربة الانتخابات اختلفت بين الأندية، ففي أدبي الرياض، إذ تابعتها عن قرب وبالتفصيل، تميزت بالشفافية وسلاسة الإجراءات وعدم اعتراض أحد، وأذكر أن الجميع خرج راضياً، على خلاف تجارب بعض الأندية. ما قاله الدكتور علي الموسى، وهو مثقف بامتياز وكاتب مبدع، بأن المثقف «كما يبدو من تجارب الانتخابات يحتاج إلى الديكتاتورية، وأنه من الواضح أن الثقافة لدينا تحكمها الأدلجة». أظن أنه يقصد الديكتاتورية مجازاً وليس حرفياً، وربما هو يقصد طريقة التعيين بحيث تشمل التيارات الثقافية والمدارس الأدبية كافة، والتعيين المتنوع غير الدكتاتورية التي تعني استبداد تيار واحد على الجميع، وهذا منطق لا يتناسب مع فكر علي الموسى التنويري الذي -عموماً- كان يتحدث في سياق آخر وهو تزوير الانتخابات. عموماً، أرى أن أفضل حل لتصحيح الأخطاء والتعثرات في مسيرة الديموقراطية هو في المزيد منها بشرط حمايتها، مثل الطفل الذي يحبو ويتعلم المشي، سيتعثر ويسقط لكن لا خوف عليه إذا كان هناك من يراقبه لحمايته من الانزلاقات الخطرة.

مشاركة :