عناصر قوة جديدة تقوي مناعة البحرين ضد التهديدات الخارجية، ورهانات إستراتيجية تدعم أمن الخليج العربي. تغييرات في الأفق المنامة – في الأول من أبريل أعلنت البحرين اكتشافها لحقل نفط في البحر في المياه الضحلة قبالة ساحلها الغربي يحتوي على النفط الصخري والغاز العميق. وأشارت التوقعات إلى أن إنتاج الحقل الجديد سيكون أضعاف ما تنتجه الحقول الحالية. وقدرت الاحتياطات بأكثر من 80 مليار برميل من النفط وأكثر من 13 تريليون قدم مكعب من الغاز، ما يعني أن البحرين على عتبة الانضمام إلى قائمة البلدان العشر الأوائل المنتجة للنفط في العالم. وفي حين تقول مؤسسة فوربس إن جزءا صغيرا فقط من مجمل المخزون يمكن استغلاله، وربما بتكلفة عالية، مشيرة إلى أن الحقل يوجد على منطقة الحدود بين التقليدي وغير التقليدي، يصف مركز ستراتفور للدراسات الأمنية والاستراتيجية هذا الاكتشاف بأنه سيغير قواعد اللعبة. ويشير الخبراء إلى أن الإنتاج بكميات كبيرة لن يبدأ إلا بعد 5 أو 10 سنوات. لكن، البحرين ستتمكن من استعمال الإمكانات بعيدة المدى لجلب استثمارات جديدة. تاريخ يتجدد تلفت نشرة آراب ديجسيت إلى أن الأحداث الأخيرة التي تعيشها البحرين تذكر القدامى بأحداث حصلت قبل جيلين أو ثلاثة: اكتشاف نفطي، وقاعدة بحرية بريطانية، والنزاع مع قطر. اكتشفت البحرين النفط في سنة 1932. وتحصلت على عائدات متواضعة بالمعايير اللاحقة لكنها كانت كافية لبدء عملية انفتاح البحرين على العالم الحديث. لكن بعد ذلك كانت عمليات التطوير في قطاع النفط مخيبة للآمال ولبعض السنوات كان إنتاج النفط لا يتجاوز 40 ألف برميل في اليوم على اليابسة، إضافة إلى نصف عائدات حقل في عرض البحر تتقاسمه البحرين مع المملكة العربية السعودية. غافين وليامسون: الوجود البريطاني في البحرين سيلعب دورا محوريا في حماية بريطانيا والخليج غافين وليامسون: الوجود البريطاني في البحرين سيلعب دورا محوريا في حماية بريطانيا والخليج مستفيدة من البداية المبكرة، نوّعت البحرين اقتصادها لتستثمر في البنوك والصناعات الثقيلة والبيع بالتجزئة والسياحة (هذه الأيام الأخبار التي تصل العالم الخارجي حول البحرين تتعلق أساسا بالفورميولا واحد). ويعدّ مصنع صهر الألمنيوم في البحرين أكبر مصنع في العالم (تلقت صادراتها إلى الولايات المتحدة ضربة كبيرة جراء الرسوم الجمركية الجديدة على واردات الألمنيوم التي أقرّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب). وفي سنة 1946، أصبحت البحرين مركز القوة البريطانية في الخليج وذلك عن طريق نقل “إقامة الخليج” من بوشهر في إيران إلى البحرين. وبموجب سلسلة من المعاهدات كانت بريطانيا مسؤولة عن الدفاع عن البحرين والدول الخليجية الأخرى. وانسحبت البحرية الملكية عندما تحصلت البحرين على الاستقلال التام في سنة 1971. وفي الخامس من أبريل 2018، قام كل من ولي العهد الأمير سلمان بن أحمد آل خليفة ودوق يورك الأمير أندرو، بالافتتاح الرسمي لقاعدة بريطانية جديدة في البحرين. وأعلنت السفارة البريطانية في المنامة على موقعها على الإنترنت افتتاح القاعدة في ميناء سلمان، بعد نحو 3 سنوات من توقيع عقد مع المنامة لإقامة القاعدة بتكلفة قدّرت بنحو 23 مليون دولار. وقالت إن القاعدة البحرية “ستلعب دورا مركزيا في دعم قدرة المملكة المتحدة على العمل في المنطقة، حيث إنها ستكون مركز عمليات البحرية الملكية في الخليج والبحر الأحمر والمحيط الهندي”. العلاقة مع قطر وإيران ظلت العلاقات بين البحرين وقطر سيئة بدرجات متفاوتة على مدى أكثر من مئة عام، وما زاد في تعكير العلاقة النزاع على جزر حوار غير المأهولة التي تقع بين البلدين. وحسمت محكمة العدل الدولية النزاع في سنة 2001 من خلال قرار قضي بملكية أغلب جزر أرخبيل حوار للبحرين وعلى رأسها جزيرة حوار الأكبر حجما. واليوم، أيضا تمرّ العلاقات بين المنامة والدوحة بإحدى أسوأ فتراتها، حيث انضمت البحرين إلى السعودية والإمارات ومصر في مقاطعتها لقطر بسبب سياسات هذه الأخيرة التي أضرّت بدول المنطقة وطالت البحرين، التي تعاني أيضا من تدخلات إيران ومحاولاتها لإثارة الفتنة في بين أبناء البحرين. ولم يقابل إعلان البحرين عن الاكتشافات بارتياح من جانب إيران، التي تبدي اهتماما خاصا بتطورات الوضع الاقتصادي في البحرين، لاعتبارات عديدة ترتبط بمحاولاتها المستمرة التدخل في شؤونها الداخلية وتهديد أمنها واستقرارها. ويمثّل هذا التطور خبرا غير سار بالنسبة لطهران، لأكثر من اعتبار. إذ أنه سوف ينعكس إيجابيا على الاقتصاد البحريني، الذي تأثر بشكل واضح بانخفاض أسعار النفط في الأعوام الأخيرة، وبالتالي ستحرم طهران من إحدى الآليات التي تستخدمها دائما لمواصلة تدخلها في شؤون البحرين. فقد اعتادت إيران على استغلال الأوضاع الاقتصادية في بعض الدول من أجل التأثير على أمنها واستقرارها، واستقطاب عناصر محلية ليست فقط مؤيدة لسياستها وإنما أيضا حريصة على تنفيذ تعليماتها. ويمثل شعار “نصرة المستضعفين” أحد الشعارات الرئيسية التي تستخدمها إيران لإضفاء زخم خاص على تدخلاتها التخريبية، رغم أن سياستها لا تتوافق معه في الأساس، باعتبار أنها تتغاضي عنه عندما لا يتوافق مع مصالحها، فضلا عن أنها تنتهكه بشكل مستمر في ظل حرصها على قمع مواطنيها وقومياتها العرقية والمذهبية يوميا بسبب استنزافها لجيوب الإيرانيين في مغامراتها الخارجية. اكتشاف استراتيجي اكتشاف استراتيجي وتدرك إيران جيدا مدى الأهمية التي يحظى بها القطاع النفطي في البحرين، وهو ما دفعها إلى محاولة عرقلة مشاريع الإنتاج التي تقوم بها الأخيرة، على أساس أن ذلك يمثل إرهابا من نوع آخر، يستهدف التأثير على الأوضاع الاقتصادية في الداخل وعرقلة جهود الدولة لتكريس الاستقرار على المستويات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. وانعكس ذلك بشكل واضح في عملية تفجير أنبوب النفط السعودي-البحريني في قرية البوري البحرينية في 10 نوفمبر 2017، حيث أكدت السلطات البحرينية، بعد ذلك بيوم واحد، أن هذا التفجير عمل إرهابي حدث بناء على توجيهات صادرة من إيران. وحرص الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني على اعتبار هذا العمل تطورا خطيرا في الأساليب الإجرامية للتنظيمات الإرهابية التي تتلقى توجيهاتها من إيران، في إشارة إلى أن الأخيرة تبدو حريصة بصفة مستمرة على توسيع نطاق الآليات التي تستخدمها في التأثير على حالة الأمن والاستقرار داخل البحرين، بحيث لا تنحصر فقط في تكوين خلايا إرهابية وتهريب أسلحة وتنفيذ عمليات إرهابية. ومع أن إيران سارعت إلى نفي تورطها في تلك العملية زاعمة كالمعتاد أن لا أساس لها من الصحة، إلا أن نجاح الأجهزة الأمنية البحرينية في الكشف عن الخلية التي قامت بتنفيذها، في 7 فبراير 2018، أضفى وجاهة خاصة على الاتهامات التي توجهها دول عديدة بالمنطقة لطهران بمحاولة نشر الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة. وتعززت تلك الاتهامات بعد أن تبيّن أن اثنين من عناصر الخلية تدرّبا في معسكرات تابعة للحرس الثوري. ومع أن تقديرات عديدة تحذّر من التعجّل في تقييم حجم الإنتاج المتوقّع من الحقل، في ظل وجود متغيّرات تقنية واقتصادية وجيولوجية تتحكم في ذلك، إلا أن البحرين تعوّل بشكل كبير على الحقل الجديد، الذي سيساعدها ليس فقط في سدّ عجز الموازنة، بل في إغلاق أحد الأبواب التي تسعى من خلال إيران إلى مواصلة تدخلاتها وأدوارها التخريبية.
مشاركة :