رغم إعلانها رسمياً تدمير مخزونها من الأسلحة الكيماوية في العام الماضي، تؤكد المعطيات المتوافرة لدول غربية أن روسيا ما زالت تحتفظ ببرنامج سري ونشط لإنتاج هذا النوع من الأسلحة، وهو ما ظهر جلياً في تسميم الجاسوس الروسي السابق المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبري البريطانية في مارس الماضي، كما أنها تنتهك تعهداتها بموجب معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية من خلال تغطيتها جرائم النظام السوري.وأكد خبراء أوروبيون ومصادر غربية أن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن «روسيا تحتفظ ببرنامج أسلحة كيماوية هجومي بما ينتهك ويتعارض مع معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية»، وأن موسكو «متواطئة في استخدام نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد لأسلحة كيماوية ضد الشعب السوري».وحذّر الخبراء من أن «دعم روسيا لنظام الأسد في مجلس الأمن يهدد بشرعنة استخدام أسلحة كيماوية وتقويض (معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية)»، مذكّرين بأن روسيا «ورثت قدرات متقدمة على إنتاج أسلحة كيماوية حربية هجومية من الاتحاد السوفياتي البائد، وفي ذروته، كان برنامج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية هو الأضخم والأكثر تقدماً على مستوى العالم».ولفتوا إلى أنه «رغم توقيع موسكو على معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية والانتهاء رسمياً من تدمير مخزوناتها المعلنة من الأسلحة الكيماوية في العام 2017، فإن هناك حالياً مجموعة ناشئة من الأدلة، من بينها محاولة اغتيال الجاسوس في بريطانيا، تؤكد أن روسيا ما زالت تحتفظ ببرنامج سري ونشط، وهو ما يشكل انتهاكاً مباشراً لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية».وأوضحوا أنه «في إطار هذا البرنامج (السري) تعمل روسيا على تطوير مكوّنات الـ (نوفيتشوك) الكيماوية (وهي غازات أعصاب سامة يشتبه بأنها استخدمت بمحاولة اغتيال سكريبال وابنته)، وغيرها من المكونات التي يتم إنتاجها للاستخدامات السرية بشكل أساسي، بما في ذلك عمليات الاغتيال». ووفقاً لتقارير تستند إلى مصادر مطلعة، فإن «مكونات (نوفيتشوك) مصممة بحيث تتفادى إجراءات الكشف والحماية والعلاج وبحيث تلتف حول اتفاقيات حظر الأسلحة المحرمة القائمة حالياً».وحسب المصادر الغربية، فإن روسيا تبدي عدم اكتراث إزاء معاهدة «حظر الأسلحة الكيماوية»، «فهي توفر غطاء ديبلوماسياً وعسكرياً لاستخدام الأسلحة الكيماوية من جانب نظام الأسد، كما أنها قامت على نحو هجومي باستخدام النظير الاشعاعي (بولونيوم 210)، واستخدمت عناصر (فينتانيل) سامة ضد شعبها (خلال حصار أحد المسارح في موسكو في العام 2002)، وترفض تقديم تفسير منطقي لاستخدام غاز (نوفيتشوك) السام في عملية سالزبوري» في بريطانيا حيث تعرض سكريبال وابنته للهجوم. وأشارت إلى أن «الدعم الثابت الذي تقدمه روسيا الى النظام السوري ساهم في تشجيع بشار الأسد ووفر له الحماية اللازمة لمواصلة استخدام الأسلحة الكيماوية ضد السوريين الأبرياء، والهجوم الأخير في دوما يأتي كتذكير صارخ بعواقب تصرفات روسيا».ورغم أن «روسيا متواطئة، ولم تظهر أي اعتراض أخلاقي إزاء استخدام أسلحة كيماوية من جانب نظام الأسد»، وفق المصادر، فإنه بالتزامن مع ذلك، دأبت موسكو على «استغلال قدراتها التضليلية من أجل بناء روايات حول الاحداث في دوما (بالغوطة الشرقية لريف دمشق)، وهي الروايات التي تشوّه الحقائق وتشتّت المتابعين عن القضية الرئيسية، كما أن تصرفات روسيا الداعمة لنظام الأسد ديبلوماسياً وعسكرياً تثير مزيداً من التساؤلات في ما يتعلق بمدى دعمها لبرنامج الأسلحة الكيماوية الخاص بالنظام السوري».ومن البدهي أن روسيا على علم كامل ببرنامج الأسلحة الكيماوية السوري وباستخدام النظام المتواصل للعوامل الكيماوية المحظورة، «لكنها (أي روسيا) لم تفعل شيئاً إزاء ذلك منذ العام 2013، أي في أعقاب الإعلان عن تدمير المخزونات السورية من أجل منع استمرار النظام في استخدامها، وفقاً لما أثبتته أدلة في (هجمات) اللطامنة وخان شيخون وقميناس...».ولفتت المصادر إلى أن ما يجعل موسكو تتحمل مسؤولية أكبر هو أن «هناك قوات روسية منخرطة (على الأرض) في الصراع السوري، وفي قواعد جوية تم منها إطلاق هجمات بأسلحة كيماوية»، وقد «قامت طائرات روسية بقصف منشأة طبية قريباً كانت تعالج ضحايا هجوم خان شيخون الكيماوي في 4 ابريل 2017، وهو الأمر الذي ربما تم تدبيره بهدف التأثير على عملية جمع الأدلة».كما أن روسيا رفضت أي ضغوط على سورية لمعالجة مخاوف منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حول مصير معدات وكيماويات برنامجها السابق، كما أنها «دأبت على إرشاد النظام السوري في التعامل مع كل من المنظمة و(آلية التحقيق المشتركة)».ومضت المصادر في التذكير بأن «روسيا دأبت بعناد على الدفاع عن النظام (السوري) في الأمم المتحدة ولدى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، كما منعت أي تحرك ذي مغزى من جانب المجتمع الدولي من أجل منع استخدام النظام السوري لأسلحة كيماوية، واشتمل ذلك على استخدام حق النقض (الفيتو) ضد 6 قرارات أصدرها مجلس الأمن حول استخدام أسلحة كيماوية في غضون الأشهر الـ 14 الماضية، وهو أمر غير مسبوق في مجلس الامن».وإضافة إلى الأعراض المنسجمة مع هجمات بغاز الكلور وبغازات سامة أخرى، فإن المصادر أشارت إلى أن «التحليل الطبية لمقاطع فيديو تم تصويرها لعدد من هجمات النظام السوري تؤكد أن الضحايا تبدو عليهم أعراض متوافقة مع أعراض العجز التي تسببها الغازات السامة من النوع الذي استخدمته روسيا خلال واقعة حصار المسرح في موسكو».ولفتت المصادر الغربية إلى أن «هناك خبراء أسلحة كيماوية روس يعملون (حالياً) في سورية، وحتى الآن لم يتم تحديد ما إذا كان دورهم تحقيقي أم أنهم يقدمون المشورة والدعم الى النظام السوري».ووفقاً للخبراء، فإنه «رغم زعمها أنها تحترم التزاماتها كدولة موقعة على معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، إلا أن تصرفات موسكو خلال الفترة الأخيرة تؤكد عدم اكتراثها بمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وتشكل تقويضاً لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية».وفشلت محاولات روسيا، خلال الفترة الماضية، من أجل إنشاء آلية تحقيق حول سورية، وهي الآلية التي تسمح لموسكو بصياغة طريقة الوصول الى مواقع الهجمات وطرق التحقيق.واتّبعت موسكو نهجاً مماثلاً في ما يتعلق بهجوم سالزبري، وحاولت إرسال آلية تسمح لها بالتحقيق في استخدامها لمادة كيماوية ضد سكريبال وابنته، إلا أن التصويت في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أفضى إلى سقوط الاقتراح بشكل حاسم، مع حصوله على دعم 4 أصوات فقط من بين 41 صوتاً. وفي ما يتعلق بهجمات سورية وتسميم سكريبال، فإن موسكو ترفض أي تحقيق مستقل لا تستطيع أن تتحكّم في نتيجته النهائية.وخلصت المصادر إلى أنه «لم يعد ممكناً لأي دولة من الدول المنضوية في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن تتضامن مع روسيا أو تتبنّى نظريات المؤامرة التي تروّج لها، كما لم يعد ممكناً الوثوق بالتأكيدات الروسية حول الأسلحة الكيماوية، ويتعين على المجتمع الدولي أن يبحث بعناية عن الدافع الذي يقف وراء موقف روسيا في ما يتعلق بمسائل الأسلحة الكيماوية، لأن الإخفاق في القيام بهذا الأمر يسهم في تزايد انتشار واستخدام تلك الأسلحة».
مشاركة :