هناك مثل عربي قديم يضرب عند توافق أمرين، فيقال: (وافق شن طبقة)، ولعل كثيرين يرددون هذا المثل، وهم لا يعرفون ما أصله وكيف جاء. للمثل قصة طريفة يتكرر ذكرها في كتب التراث العربية، فحواها أن رجلا حكيما ذكيا فطنا اسمه (شن) أراد أن يتزوج، فقرر ألا يتزوج سوى من امرأة تماثله في الحكمة والذكاء والفطنة، وانطلق يبحث عن تلك المرأة التي يحلم بها، فصادف في طريقه رجلا مسافرا إلى الوجهة التي يقصدها فترافقا في السفر، وأثناء الطريق قال شن لرفيقه بعض العبارات الغريبة من قبيل المداعبة والتسلية، لكنه عجز عن فهم المراد بها ولم يستطع إدراك مغازيها البعيدة، فكتم ذلك في نفسه ولما وصل إلى بيته استضاف (شن) عنده، وكان للرجل ابنة بالغة الذكاء والفطنة تدعى (طبقة) فدخل عليها وأخبرها بما دار بينه وبين (شن) من غريب الحديث الذي لم يعرف كنهه ولا يدري ما المراد به؟! فما كان من (طبقة) إلا أن أخذت تشرح لأبيها ما فات عليه فهمه من كلام (شن)، ففرح الرجل وعاد إلى ضيفه وفسر له مغزى كلامه، فاستغرب (شن) وسأله عمن أطلعه على ذلك، فذكر الرجل ما دار بينه وبين ابنته من حديث، وهنا عرف (شن) أن ابنة الرجل هي بغيته التي يبحث عنها، فهي تماثله في الحكمة والفطانة فتزوجها وتوافقا في زواجهما، ومضت قصتهما مثلا يضرب لتمام التوافق. ما يجعلني أورد هذه القصة ليس طرافتها ولا عذوبة ما فيها من خيال، وإنما لما يستنتج منها، ففيها أمران مهمان لفتا نظري: أحدهما، ما تدل عليه من أن أجدادنا العرب، على جاهليتهم، كانوا يعترفون بإمكانية وجود نساء يملكن العقل والحكمة والفطنة وقد يتفوقن في بعض الأحيان على الرجال في هذه الصفات، وذلك على عكس ما يفعله بعض أحفادهم من أبناء هذا العصر ممن يصرون على إنكار تلك الحقيقة ويتهربون من الاعتراف بها. والأمر الآخر، هو أن تمجد الثقافة العربية القديمة صفة الذكاء والحكمة عند المرأة فترفعها إلى مستوى يجعلها من أبرز الشروط المطلوبة في الزوجة، فشن يبحث في زوجته المقبلة عن الذكاء والفطنة ويجعل امتلاكها لذلك في مقدمة شروطه في اختيارها، وما اعتدناه هو أن يكون الجمال وصغر السن هما أبرز شروط اختيار الزوجة وبعد ذلك تأتي بقية الشروط التي من النادر أن يكون ضمنها الفطانة أو الحكمة أو الذكاء!! هذه القصة الطريفة، تعكس ما كان شائعا في الثقافة العربية من تقدير لإمكانات المرأة العقلية وذلك منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنا من الزمان، فهل هذا يعني صدق تلك العبارة التي تقول: «لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل»!! فاكس 4555382-011 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة