في خضمّ الترقّب الحذر المتحكم بمفاصل المشهد الدولي- الإقليمي، وكما على امتداد العالم، تباينت ردود الفعل المحلية على الضربة التي استهدفت مواقع تابعة للنظام السوري، إذ أكد الرئيس اللبناني ميشال عون أن الحوار حاجة ضرورية لوقف التدهور. وفي حين شد رئيس مجلس النواب نبيه برّي على يد دمشق، اختار رئيس الوزراء سعد الحريري تطبيق سياسة النأي بالنفس عما جرى في سوريا. واستناداً إلى مصادر سياسية متابعة، فإنّ مواقف رفع العتب واللامواقف من الضربة الأميركية- الفرنسية- البريطانية لسوريا، التي صدرت في الداخل اللبناني، سهّلت مشاركة لبنان في القمّة العربية في الظهران بالسعودية، غداة وضع مبدأ النأي بالنفس عن حروب المنطقة على المحكّ قبيل انعقاد هذه القمّة. وباعتراف المصادر ذاتها، فإنّ الموقف من التطوّرات العسكرية في سوريا زاد من إحراج لبنان في ظلّ توجّه أكثرية الدول العربية، نحو التناغم مع القرار الغربي ردع النظام السوري ورفض الدعم الإيراني له، مقابل اعتراض أو تحفّظ عدد من الدول العربية عن الضربة التي نفّذتها الدول الغربية الثلاث. وفي المحصّلة، فإن لبنان لا يملك سوى السعي إلى تحييد نفسه عن تفاعلات الضربة، على رغم الموقف المبدئي الذي أصدره عون، لجهة اعتباره أن «ما حصل لا يساهم في الحلّ السياسي للأزمة السورية». النأي بالنفس من جهتها، أكدت مصادر وزارية لـ«البيان» أن الموقف اللبناني من الموضوع الإقليمي، ومن تطورات ما حصل في سوريا، أصبح معروفاً، وهو اعتماد سياسة النأي بالنفس، ورأت أن لا مخاوف من انعكاس الوضع الإقليمي والحرب في سوريا على الساحة الداخلية اللبنانية، خصوصاً وأن الوحدة الداخلية ضرورية ومطلوبة في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة والصعبة التي تمرّ بها المنطقة برمّتها، مع إشارتها إلى أن هناك تأكيداً دولياً على وجوب استقرار لبنان وتحييده عن أيّ خلافات أو صراعات إقليمية. زمن انتهى ووسط هذه الأجواء، أظهرت الحركات الانتخابية الكثيفة التي شهدتها مناطق عدّة، أمس، مفارقة بدا معها لبنان غارقاً في الاستعدادات الجارية للانتخابات النيابية من دون أيّ خشية لارتدادات سلبية محتملة عليه من الأجواء التي ظلّلت سوريا والمنطقة. ولعلّ أبلغ المواقف التي كرّست الانطباعات أن الاستحقاق الانتخابي لا يزال في مأمن من الحسابات المتشائمة، أقلّه حتى الآن، تمثلت في تأكيد الحريري، قبيل مغادرته إلى السعودية، أن الانتخابات ستجري في موعدها، وفي تشديده على حضور الدولة ودورها عند الحدود الجنوبية، إذ أكد أن زمن غياب الدولة عن تحمّل مسؤولياتها في حماية منطقة الشريط الحدودي والدفاع عنها هو «زمن انتهى»، كما أن زمن الشعور بأن هذه المنطقة خارج حدود الشرعية اللبنانية هو «زمن انتهى». واتخذت هذه المفارقة بعداً مهماً ودلالات بارزة لجهة ما شكّلته من عامل اندفاع نحو استكمال الاستعدادات الجارية للاستحقاق، بما قلّل المخاوف التي سادت في الأيام الأخيرة، سواء من إمكان إطاحة موعد الانتخابات مع حصول ضربة غربية لسوريا، أو من تعرّض لبنان لأخطار مواجهة إقليمية يصعب التكهن بطبيعتها.
مشاركة :