إطلالة على العراق من أربيل (2 ــ 3)

  • 4/17/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

​​بعد أن اقتربنا من أربيل في طريقنا من برادوست، برفقة الاخ فيصل كريم والدكتور عبدالباري المدرس، وكريم فيصل كريم، حدثنا الدكتور عبدالباري عن أبحاثه في جامعة هايدلبيرغ في ألمانيا حول البرديات، وهي الوثائق الإسلامية التي كتبت على ورقة البردي، والتي تتنوع من عقود زواج إلى اتفاقيات بين جماعات وقبائل، وعقود بيع. واندمجت مع الدكتور عبدالباري في حديث امتد من الفروقات في الأحكام لدى الأئمة الأربعة: «أبو حنيفة، أحمد بن حنبل، الشافعي، ومالك»، إلى دور المستشرقين الألمان، أمثال نولدكة، في تفسير التراث الإسلامي. وقبل أن نفترق، اتفقت مع الدكتور عبدالباري على أن نلتقي قبل نهاية العام الحالي، إما في هايدلبيرغ أو في بغداد، إن تمكن من الفوز بمقعد نيابي في بغداد. وأرى أنه ليس كردستان فقط بحاجة إلى أمثال الدكتور عبدالباري إلى أن يمثلها، إنما العراق كله بحاجة إلى شخصية علمية نزيهة ومثالية أن تدخل عالم السياسة فيه. لذا فمع إعجابي بجمال مدينة هايدلبيرغ وجامعتها المميزة، فإني أتمنى أن ألتقي بالدكتور عبدالباري في بغداد. ​هذا وفي زيارتي السابقة إلى أربيل، تمكنت من أن أزور مدينة السليمانية، التي تنافس أربيل في أهميتها في كردستان العراق. هذا وإن كانت أربيل ترتبط بنفوذ البازاني والحزب الديموقراطي، فإن السليمانية ترتبط بنفوذ الطالباني وحزب الاتحاد. لذا في هذه المرة استعضت عن زيارة ثانية للسليمانية بزيارة أولى إلى دهوك، وهي المدينة والمحافظة القريبة من الحدود التركية العراقية، التي تبعد عن أربيل حوالي 200 كلم. كانت الطريق مفروشة ببساط أخضر منسوج إما من النباتات الطبيعية أو من سنابل القمح. وبشكل عام فإن المساحات المفتوحة الخالية من الكونكريت تدخل الفرحة في قلبي، وإن كانت رملية، فما بالك إن كانت خضراء. وبعد حوالي ساعة من مغادرتنا أربيل، ظهر إلينا نهر الزاب الأعلى، وهو من روافد دجلة، التي تنبع من الجبال التي تفصل العراق عن إيران. وعند عبورنا الجسر، التفت يمينا لأبحث إن كانت هناك بقايا أو آثار من معركة الزاب الأعلى بين الأمويين والعباسيين. ففي يناير من عام 750 م، التقى الجيشان الأموي بقيادة محمد بن مروان، والعباسي بقيادة عبدالله بن علي، في معركة أسفرت عن هزيمة الأمويين ونهاية خلافتهم في دمشق، إلى أن أحياها عبدالرحمن الداخل في الأندلس. بعدها بدأنا نشاهد مخيمات الايزيديين المهجرين من سنجار، والأكراد المهجرين من سوريا. كما بدأت تظهر إلينا معابد ايزيدية، وهي على شكل تل ترابي بيضاوي مقتطع من جانب واحد، وبنيت عليه غرفة صغيرة. هذا وقد رافقني إلى أربيل كتاب للمستشرق الفرنسي توماس بوا، بعنوان «الايزيديون وأصولهم الدينية ومعابدهم، والأديرة المسيحية في كردستان». وقد أهداني هذا الكتاب أخي الأكبر عبدالكريم، الذي كان قد زرع فيني حب القراءة منذ طفولتي. ​تختلف دهوك كثيراً عن أربيل والسليمانية، كونها مبنية في واد بين جبلين، ولضيق المساحة نسبياً، كان التوسع العمراني فيها عمودياً، وطقسها أبرد من أربيل بحوالي 4 درجات مئوية، وكنت محظوظا باختيار الدليل، فقد كان سرباس ــ السائق والمرشد السياحي ورفيق السفر ــ قد فهم ما أريد أن أشاهده في دهوك. فزرت سد دهوك، والسوق القديمة، وكنيسة ماركوركيس، التي كانت مغلقة وقت زيارتها، كنت أتمنى أن ألتقي برجل دين مسيحي، أستمع منه إلى حديث عن تاريخ المسيحية في شمال العراق. وفي السوق القديمة، تأكد لي وفرة المواد الغذائية وكل السلع التي يحتاجها البيت. وارتشفت استكانة شاي «سنغين» في مقهى تميز بموقعه المطل ورخصه. فاستكانة الشاي تكلف ثمانين فلساً كويتياً. إلا أن أطول وقت صرفته في زيارة جامعة دهوك والجامعة الأميركية في كردستان. ​وقد أعجبني كثيرا موقع وتصميم وحيوية حرم جامعة دهوك، وهي جامعة متكاملة، تشمل كليات عديدة، ويتواجد فيها مجمع للمؤتمرات. وكنت محظوظاً أن ألتقي بأستاذين في الجامعة، هما: د. أحمد عقراوي، ود. مها الملائكة. والأول كان قد عمل في الكويت في وزارة الكهرباء في الستينات من القرن الماضي، وقد حمل ذكريات جميلة عن تلك الفترة. أما الأستاذة مها، فما أن أخبرتني باسم عائلتها حتى ذكرت قصيدة «الكوليرا» للمرحومة نازك الملائكة، التي يذكر أنها أول قصيدة حديثة، وفيها تقول: «في كل فؤاد غلبان/ في الكوخ الساكن أحزان/ في كل مكان تصرخ في الظلمات/ في كل مكان يبكي صوت/ هذا ما قد مزقه الموت/ الموت، الموت، الموت». ​هذا وعرفت بعدها أن الأستاذة مها هي ابنة المرحوم الدكتور المهندس جميل الملائكة، الذي ترجم عمر الخيام إلى العربية، والذي كان قد تم تكريمه من قبل مؤسسة البابطين الداعمة للأدب. هذا وبعد جامعة دهوك، توجهنا إلى الجامعة الاميركية في دهوك، التي يحتاج الدخول إليها إلى الانتظار بعض الوقت عند البوابة. وهي الجامعة الاميركية الثانية بعد الجامعة الاميركية في السليمانية. وتتميز بمبناها الحديث الذي يظهر بمظهر قصر ملكي أو جمهوري أكثر منه جامعة، لكن المفاجأة كانت في أن المظهر الخارجي والأثاث الداخلي الانيق لا يعكسان تكاملاً او تطوراً في المعرفة. فالجامعة مازالت في بدايتها، ومع رحابة صدر موظفة التسجيل وفطنتها، فإنها لم تستطع أن تقدم صورة زاهية عن الجامعة. فمع مضي سنتين على بدء الدراسة فيها، مازالت من دون مكتبة، أو أن المكتبة تحتوي على أثاث قيم وكتب غير قيمة، كثير منها كان اهداءات من كتب مستعملة، أغلبها لا يخدم المنهج الدراسي. وتذكرني الجامعة الاميركية في دهوك بكثير من المؤسسات العلمية في الكويت، التي تتميز بهيكل كونكريتي جميل، مع وهانة في المحتوى أو المضمون. ​أعتقد أن دهوك مدينة تستحق أن تزار مرة أخرى، فحواليها الكثير الذي لم يسمح وقتي بمشاهدته. كما أن أهلها يتصفون بالرحابة والكرم وبمعرفة بعضهم لبعض. د. حامد الحمود ​Hamed.alajlan@gmail.com

مشاركة :