لم تكن الزيارة الأولى لي لأربيل، فقد زرتها منذ حوالي ثماني سنوات، لكنها كانت مختلفة وأكثر تميزاً، بسبب أنها كانت في الأيام الأولى لشهر نيسان/ أبريل، بينما كانت الزيارة الأولى في الصيف. في هذه الزيارة الأخيرة اكتشفت جمال ورحابة سهول وجبال كردستان، وغناها الزراعي. في هذه الزيارة رأيت بعيني كيف أن النباتات الصحراوية الموجودة في الكويت بعضها موجود في كردستان، لكن أوراقها وحجمها أكبر بخمس مرات عن مثيلتها في الكويت، وذلك لخصوبة التربة ووفرة الأمطار في كردستان. هذا ومع أن لي أصدقاء في أربيل، فقد تكون لديّ أصدقاء جدد. وترجع صداقاتي في أربيل لصداقتي مع الدكتور عبدالحسين شعبان. فعندما يكون الدكتور عبدالحسين شعبان صديقاً لك، يصبح لديك أصدقاء في كردستان ذوو توجهات سياسية وعلمية وفكرية متعددة، وما سيجمع بينهم هو الكرم والثقافة والعلم. فمن أصدقائي «القدماء»، الذين التقيت بهم سابقا في أربيل وبيروت وتونس، هم الدكتور شيرزاد النجار أستاذ القانون في جامعة أربيل، والدكتور عبدالصاحب قهرمان أستاذ الرياضيات في الجامعة، الذي عمل لفترة سابقة أستاذا للرياضيات في جامعة في السويد. أما الصديق «القديم» الثالث فهو الأستاذ صلاح بدر الدين، الذي يتحدث العربية بلهجة سورية. وهؤلاء الثلاثة وأنا معهم وآخرون أعضاء في تجمع «الأمم الأربع»، الذي يجمع عرباً وأكراداً وإيرانيين وأتراكاً، هادفاً إلى تعزيز الحوار السياسي والثقافي بين شعوب هذه الأمم الأربع، التي جمع بينها الإسلام والجغرافيا. وفي هذه الزيارة الأخيرة، أضاف لي الدكتور عبدالحسين شعبان أصدقاء جدداً هم: الوزير السابق والقاضي أزاد ملا أفندي، والدكتور نجدت عقراوي، والوزير السابق المهندس بارزان محسن ديزيي. لكن لا بد من التوضيح أن فكرة هذه الزيارة بدأت عندما التقيت برجل أعمال من أربيل في الكويت خلال مؤتمر إعادة إعمار العراق، الذي عقد في الكويت بتاريخ 12 شباط/ فبراير 2018، فكانت الدعوة لي من قبل الأخ فيصل كريم خان لزيارة أربيل، للمساهمة في التحضير لدراسة جدوى اقتصادية لمشروع معين. وعندما التقيت مع الأخ فيصل كريم خان في فندق كراون بلازا في الكويت، ثم في بيتي مع بعض أصدقائه وبعض أصدقائي، كان معظم حديثنا حول الاستثمار ومستقبل العلاقة الاقتصادية بين العراق والكويت. لكن منذ وصولي مطار أربيل، عرفت أن للصديق الجديد أبو محمد ثقلاً اجتماعياً وسياسياً، إضافة إلى نشاطه ونشاط عائلته في التجارة والمقاولات والصناعة. لكن أهم ما به بالنسبة لي أنه كان كريم النفس ورفيع الأخلاق وواسع الخبرة في الحياة والسياسة. وعرفت بعده انه ينافس في الانتخابات ضمن قائمة الديموقراطية والعدالة لخوض انتخابات المجلس النيابي العراقي، الذي سيكون في نيسان/ ابريل، التي يشرف عليها الدكتور برهم صالح، المرشح أن يكون رئيساً لجمهورية العراق. هذا وإن زرت كردستان للمرة الثانية، بما في ذلك دهوك والسليمانية، إضافة إلى أربيل، فإن ما يميز زيارتي الأخيرة هذه، أني رافقت الأخ فيصل كريم خان (أبو محمد) إلى منطقة برادوست، التي تبعد أكثر من ثلاث ساعات عن أربيل. ومما أغنى رحلتنا إلى برادوست أن رفيقنا في الرحلة كان الدكتور عبدالباري المدرس، وهو المرشح على نفس القائمة، وأستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة هايدبليرغ في ألمانيا وجامعة الإمام الأعظم في بغداد، وهو ابن عالم الدين المرموق عبدالكريم المدرس، وابن مدينة شقلاوة الجميلة، التي مررنا عليها في طريقنا إلى برادوست. هذا ونتيجة للزحام، امتد الطريق إلى برادوست إلى أكثر من أربع ساعات، لكن رفقة أبو محمد والدكتور عبدالباري لا تمل. فأبو محمد كان ضابطاً في الجيش العراقي، وشارك في أكثر من معركة لصد القوات الإيرانية عن المنطقة التي ولد ونشأ بها، وشارك بالانتفاضة بعد غزو العراق للكويت. وعندما دخلت القوات العراقية إلى أربيل بتنسيق بين صدام حسين والرئيس مسعود بارزاني عام 1996، فر مع عائلته إلى سوريا. وله خبرة يجب أن تسجل للتاريخ عن الفترة التي سبقت الغزو الأميركي على العراق. فكان من الضباط العراقيين الذي استدعوا إلى واشنطن، وكان من بينهم الفريق نجيب الصالحي، للبحث في مستقبل الجيش العراقي بعد غزو العراق وإسقاط صدام. وحسب ما روى أبو محمد، فإن موضوع حل الجيش العراقي لم يتخذ من قبل بريمر ــ حاكم العراق بعد الغزو ــ وإنما بريمر كان ينفذ خطة معد لها مسبقاً. وأخبرني أن الأميركان قد ناقشوا هذا الموضوع معهم في اجتماعاتهم معهم في واشنطن، وأنه والضباط العراقيين الذين كانوا برفقته رفضوا الفكرة، وبينوا للأميركان خطر هذا القرار على مستقبل العراق إن تم تنفيذه. ووضح الأخ فيصل كريم خان: «لقد أخبرنا الأميركان أنه إذا استثنيتم فدائيو صدام، والحرس الجمهوري، فهناك أقل من %10 من أفراد الجيش يكنون الولاء لصدام». ووعد أبو محمد باطلاعي على وثائق تثبت النية المبيته للأميركان بحل الجيش العراقي منذ 2002. وأنه كانت هناك رغبة لدى الاميركان بالانتقام من الجيش العراقي وذلك بحله. هذا وقد أصبح هناك إجماع لدى العراقيين، بما في ذلك قياديون في الأحزاب الشيعية، بأن ما حصل في عام 2003 كان تحطيما ليس لصدام، وإنما للدولة العراقية. فمن جانبها، ترى سهام الموسوي ــ عضو البرلمان عن كتلة بدر الشيعية ــ في تصريح نقله حمزة مصطفى في «الشرق الأوسط» بتاريخ 9 ــ 4 ــ 2018: «انه كان يجب التفريق بين صدام حسين كطاغية، كان ينبغي ألا يبقى، وبين الدولة العراقية التي تم إسقاطها وتخريبها كما لو كانت ملكا لصدام». فحل الجيش الذي حول الآلاف من الضباط والجنود من الطائفة السنية إلى عاطلين عن العمل، كان مسؤولاً إلى حد كبير عن العنف والتطرف وصناعة داعش. لذا بدأت تظهر تقارير كتبت عن معركة الموصل ــ المعركة الأهم لتحرير المدينة منذ الحرب العالمية الثانية ــ من انها كانت بين رفاق في الجيش العراقي، فقيادة الطرفين العراقي و«داعش» كانت في جيش صدام. د. حامد الحمود Hamed.alajlan@gmail.comhamedalajlan@
مشاركة :