الحفاظ على استقلال «صومالي لاند» ونَيلها الاعتراف الدولي، مسألة حاضرة، بل ومحورية، في حملات الانتخابات الأخيرة، والتي جرت نهاية العام الماضي، وتنافس فيها ثلاثة مرشحين من الأحزاب السياسية الثلاثة (يسمح دستور صومالي لاند، بإنشاء 3 أحزاب سياسية فقط)، هم: موسي بيحي عبده رئيس حزب التضامن والوحدة، الذي فاز بالانتخابات، وعبد الرحمن محمد عبد الله عرّو رئيس حزب «الوطني»، وفيصل علي ورابي رئيس حزب العدالة والتنمية المعروف بـ «أوعد». وأدلى الناخبون المسجلون، الذين وصل عددهم إلى 704 آلاف ناخب، بأصواتهم في 1642 مركزاً انتخابياً منتشرة في 6 محافظات، في مستوى إقبال لم يكن له مثيل في تاريخ الانتخابات، منذ إعلان هذا البلد استقلاله. وكانت هناك سابقة سياسية في صومالي لاند، حيث لم يشارك الرئيس المنتهية ولايته «أحمد محمود سيلانيو»، في خوض الانتخابات الرئاسية، حيث تنازل لمرشح حزبه. وحكم سيلانيو «صومالي لاند» لمدة 7 سنوات. وكان فوز موسي بيحي في هذه الانتخابات كمرشح لـ «حزب التضامن والوحدة والتنمية»، المعروف اختصاراً باسم «كولمية»، هذا الحزب الذي حكم البلاد منذ عام 2000، متوقعاً إلى حد كبير، وكانت استطلاعات الرأي، تضعه في الصدارة، على الرغم من التحدي الشرس الذي كان يمثله المرشح الآخر، عبد الرحمن محمد عبد الله عرّو رئيس حزب «الوطني»، الذي استغل الأخطاء السياسية التي قال إن الحزب الحاكم وقيادته ارتكبها خلال فترة حكمه. وتميزت الانتخابات الرئاسية، بأن جميع الذين خاضوها، بمن فيهم الرئيس بيحي، والمرشحان اللذان تنافسا معه، من جيل الوحدة، الذين خدموا في الجمهورية الصومالية، وتقلدوا مناصب سياسية وعسكرية ومدنية فيها خلال العقود الثلاثة التي أعقبت الاستقلال (الستينيات والسبعينيات والثمانينايت)، فالرئيس بيحي خدم في السلك العسكري، أيام حكم محمد سياد بري، ووصل إلى رتبة عقيد طيار، وشارك في حرب الأوجادين بين الصومال وإثيوبيا (1977 - 1978). أما المرشح الثاني، عبد الرحمن محمد عبد الله المعروف بـ «عِرّو» (62 عاماً) رئيس حزب «الوطني» المعارض، فقد كان موظفاً مرموقاً في وزارة الخارجية الصومالية، وتدرج في المناصب الإدارية داخل الوزارة، قبل أن يتم تعيينه قنصلاً ثم سفيراً للصومال لدى الاتحاد السوفييتي السابق. أما المرشح الثالث، فيصل علي ورابي (70 عاماً) رئيس حزب العدالة والتنمية، فإنه هو الآخر عمل في الثمانينيات، مديراً للتخطيط والبناء في وزارة الأشغال العامة في الصومال، قبل أن يتم تعيينه مديراً عاماً للوزارة نفسها. تم الإعلان عن ميلاد «جمهورية صومالي لاند» في 18 مايو عام 1991، بعد نحو 3 أشهر من انهيار الحكم المركزي في الصومال، بقيادة الرئيس الراحل محمد سياد بري، وجاء الإعلان أثناء مؤتمر لزعماء القبائل في شمالي الصومال، نظّمته جبهة الحركة الوطنية الصومالية (إس إن إم) المعارضة لنظام سياد بري، وذلك في مدينة بُرعو شمالي البلاد، تحت اسم «مؤتمر برعو للمصالحة وتقرير المصير». نص الإعلان على الاستقلال عن جمهورية الصومال الديمقراطية (كما كانت تُعرف آنذاك)، والعودة إلى حدود ما قبل 1 يوليو عام 1960، وهو التاريخ الذي توحد فيه الإقليم الشمالي من الصومال، الذي حصل قبل 4 أيام فقط على الاستقلال عن بريطانيا، والإقليم الجنوبي، الذي حصل هو الآخر على الاستقلال عن إيطاليا في الأول من يوليو، ليشكلا الجمهورية الصومالية. دخلت «صومالي لاند» منذ استقلالها، مرحلة بناء مؤسسات دولة أمر واقع، رغم عدم حصولها على الاعتراف الدولي. فتم إنشاء نظام جمهوري، ومجلس للنواب، ومجلس للأعيان، وحكومة، ودستور ونظام انتخابات لتداول السلطة بشكل سلمي، إضافة إلى عملة وطنية، وبنك مركزي، وعَلم وشعار دولة خاصَّين بها، وكذلك أجهزة أمنية (جيش وشرطة ومخابرات)، ونظام إدارة متكامل، كله مستقل عن الدولة الصومالية. تقع «صومالي لاند»، في أقصي شمال غربي الصومال، تحدّها جيبوتي من الغرب، وإثيوبيا من الجنوب، وإقليم بونتلاند الصومالي من الشرق. وتملك ساحلاً طويلاً على خليج عدن، يمتد بطول 740 كيلومتراً. وتبلغ مساحتها نحو 137600 كيلومتر مربع. وينتمي غالبية السكان المحليين إلى العرق الصومالي، ونحو 55 في المئة من السكان من البدو الرُّحّل أو شبه الرُّحل وسكان البادية، بينما يعيش 45 في المئة من السكان، في المناطق الحضرية، وأهمها العاصمة هيرجيسا، التي يقدَّر عدد سكانها بنحو 650 ألف نسمة، وأبرز المدن الأخرى، مثل بورعو وبورما وبربرة وعيرغابو ولاس عانود، في ما يتعلق بالعلاقة مع الحكومة المركزية في مقديشو، فإن مقديشو تَعتبر «صومالي لاند»، جزءاً لا يتجزأ من الجمهورية الصومالية. ولذلك، أُعطيت القبائل الساكنة في «صومالي لاند»، تمثيلاً في مجلسي البرلمان الفيدرالي (مجلس الأعيان ومجلس الشعب)، إلى جانب مشاركتهم في الحكومة، ومؤسسات الدولة الأخرى، لكن كبير زعماء القبائل الصومالية، شيخ عبد الله شيخ علي جوهر، يقول لـ «البيان»، إنه لا علاقة سياسية لها إطلاقاً مع حكومة مقديشو، وإن الأعضاء الذين ينتمون إلى «صومالي لاند»، المشاركين في المؤسسات الفيدرالية، لا يمثلون إلا أنفسهم. ويقول جوهر، وهو أحد المشاركين في مؤتمر بورما التأسيسي، والذي استمر لستة أشهر، وضم جميع زعماء القبائل في «صومالي لاند»، وكذلك الأعيان وكبار التجار، وتم فيه وضع الدستور الذي تحتكم إليه هذه المنطقة الآن، يقول عبد الله: لا علاقة لنا بمقديشو، نحن دولة قائمة بذاتها، واخترنا ذلك وفق معطيات تاريخية وجغرافية وإثنية، ويمضي مؤكداً أنهم، ومنذ مؤتمر بورما ذائع الصيت، لم تشهد بلادهم إطلاق رصاصة واحدة، ويعيشون في استقرار كامل، لأنهم اختاروا الحياة، وفضلوها على الموت.
مشاركة :