قادم من عالم الشعر والصورة المتخيلة. درس الإعلام لكن شغفه تحول الى السينما. وظل سنوات يقضي يومه في مشاهدة الأفلام السينمائية المطبوعة على شرائط الفيديو حتى اعتبره والده «مريضاً»، وكاد يمنعه منها. لم يهتم كثيراً، فقد كان يُؤرقه أمر آخر. كان يتمنى أن يجد أحداً يتناقش معه في السينما، وفيما يُشاهده. يقول: «لما أخرجت فيلمي القصير الأول «الرمرام» عام ١٩٩٣ لم يكن هناك صديق أتحدث معه ليس فقط حول الفيلم، ولكن أيضاً في السينما. لما أقمنا «مسابقة أفلام من الإمارات» كان الهدف أن نشاهد بعضنا، وأن يصل صوتنا إلى الآخر، كانت فرصة ومتنفساً أن أكتشف أناساً يعشقون ذلك الفن فأتحدث معهم فيه وحوله. هذا هو المشروع، بأن تصبح السينما جزءاً أساسياً من حياتي. وما زال هذا هو هدفنا - منذ مسابقة أفلام من الإمارات ثم على مدار ١٥ عاماً من العمل بمهرجان دبي - أن نُصحح من خلال السينما مفاهيم ومعتقدات، أن نفهم المجتمعات بشكل جيد، ونتعرف إلى طريقة تفكيرهم وتكوينهم». الكلمات السابقة هي للأب الروحي للسينمائيين الإماراتيين، والمدير الفني لمهرجان دبي السينمائي مسعود أمرالله الذي نال أخيراً جائزة العويس الخاصة، كما تم تكريمه من مهرجان برلين السينمائي الأخير هو ورئيس المهرجان عبد الحميد جمعه وذلك تقديراً للدور الذي قدماه للسينما من خلال المهرجان. همّ شخصي عندما التقيته قبل فترة من الإعلان الرسمي عن دمج دورة هذا العام من مهرجان دبي في دورة العام المقبل، بدأ الحديث من هذا الهم الشخصي الذي كان وراء «مسابقة أفلام من الإمارات» التي شهدت مولد عدد من المخرجين من المنطقة العربية عرضوا أفلامهم القصيرة ثم تلقوا لاحقاً الدعم المستمر وأصبحوا من صناع السينما البارزين في الوطن العربي مثل يحيى العبدالله، إليان الراهب، هيفاء المنصور، وآخرين. ثم تطرق الحديث سريعاً إلى التطورات الراهنة بالسعودية إثر القرارات الثورية التي أعادت للسينما الحياة في المملكة بعد الحظر الذي لاقته لما يقرب من أربعة عقود. نسأله عن توقعه للأفلام السعودية التي ستُنتج وتقديره كيف سوف يستقبلها العالم، هل ستنال نفس نجاح «وجدة»، وهل سيتعامل معها النقاد ليس من منطلق مقاييس سينمائية؟ فيقول: «كنت أتابع فيلم «وجدة» منذ وُضع أول سطرين بالسيناريو، ثم تطويره في مهرجان الخليج السينمائي ضمن أول مبادرة قمنا بها لتطوير سيناريو الفيلم الخليجي الطويل ثم نال تطويراً آخر في «ملتقى دبي السينمائي». احتفائي بهيفاء المنصور لأني أتابعها منذ البداية، منذ أول فيلم قصير عنوانه «مَنْ» والذي قدمته بـ «مسابقة أفلام من الإمارات»، وكنت أعرف الخوف والقلق اللذي عاشتهما وعدم الثقة أحياناً، ودأبها ومحاولاتها، تفاصيل كثيرة من البداية. سأُنحي جانباً عناصر «البروباغندا» الموجودة لدى فتاة سعودية متحررة وأنظر إلى الفيلم. بالنسبة لى أري أن الفيلم جيد. ليس عبقرياً ولكنه جيد. ثم لننتظر الأيام ونرَ في المستقبل هل المخرجة ستعتمد على نفسها لاحقاً وتنجح لتثبت أن ما أحاط بالفيلم لم يكن مجرد بروباغندا إلى الأبد... اليوم أعتقد أن مهمة هيفاء - وغيرها من المخرجات والمخرجين السعوديين أصعب-، ليس فقط لأنه لا بد أن تخطو للأمام، ولكن لأنه خلاص صارت السينما شرعية، فلا وقت ولا مجال للمجاملات من المجتمع الدولي والعربي. في السابق كان يقال هذه دولة ليس فيها سينما والظرف السياسي فيها صعب، أما اليوم فعليهم أن يثبتوا أنفسهم سينمائياً، اليوم اختفت الحجة القديمة في قبول السينما، ستكون الجودة السينمائية هي الحكم. اليوم عندما أقرأ عن إنشاء أول مجلس سينمائي سعودي رسمي أجدها خطوة مهمة على طريق تطوير السينما في المملكة، لكن هذا التغيير يجعل مهمة الإبداع أصعب دائماً». ... ذلك الدعم > كانت إحدى أهم مزايا مهرجان الخليج مساندته السينمائيين في المنطقة ليس فقط من خلال المناقشات والدعم المادي، ولكن أيضاً عبر ورش العمل لتطوير السيناريوات وهناك أفلام واصلت الطريق بعد دعم مهرجان الخليج حتي تم ترشيحها للأوسكار... فلماذا تم إلغاؤه، وهل اكتفيتم بالدور الذي يقدمه دبي؟ - مهرجان دبي أهدافه وطبيعته مختلفة، أهدافه عربية لكن برؤية دولية، هو ليس محليّاً لهذه الدرجة. ولن يكون أحدهما بديلاً من الآخر. مهرجان الخليج كان مكرساً بأكمله لدعم السينما الإماراتية والخليجية. لقد توقف ولم يتم إلغاؤه. مثلاً مهرجان أبو ظبي صدر بيان بإلغائه، لكن الخليج السينمائي لم يصدر بيان بإلغائه. توقف لأسباب تخصه وبمجرد أن تزول الأسباب سيعود، فالهاجس بأن يعود لا يزال موجوداً. > مدينة دبي بكل شهرتها العالمية، وقدرتها على تنظيم مهرجانها السينمائي على مدار ١٤ عاماً بنجاح لافت وتكريس اسمه حتى أصبح أهم مهرجان في المنطقة العربية، لا تزال تلك المدينة غير قادرة على إنتاج فيلم إماراتي تفتتح به إحدى دوراتها، أو على الأقل إنتاج فيلم ضخم على نفس قدر مستوى المهرجان. - لا. بالعكس، يوجد أفلام إماراتية وثائقية وروائية، لكن أفكارها لا تتناسب مع افتتاح المهرجان، مع ذلك تُعرض ضمن أقسامه، مثلاً فيلم علي مصطفى «زنزانة» وغيره من الأفلام مصنوعة جيداً، حرفياً وإنتاجياً لكن أفكارها لا تتناسب مع الافتتاح. أعتقد أن الصناعة نفسها يجب أن تصل إلى مستوى معين بحيث تقدم وتنتج فيلماً يكون مناسباً لافتتاح مهرجان دبي، فمن الخطأ أن يصنع المهرجان نفسه فيلماً ليكون شريطاً افتتاحيًّا... لأن الهدف أن الصناعة نفسها هي التي تبدأ بنفسها حركة إنتاج وتطور نفسها. > لكن مهرجان دبي السينمائي يدعم كثيراً من صناع السينما العرب، واسم الإمارات العربية يتواجد سنوياً على ما يتجاوز عشرة أفلام عربية جيدة، وأذكر أنك في أحد حواراتك تحدثت عن حلمك بأن يكون الافتتاح ذات يوم بفيلم إماراتي… - صحيح. ولا يزال الحلم قائماً. أنا أتذكر مثلاً أننا أثناء «مسابقة أفلام من الإمارات» كنا نتمنى أن نرى ذات يوم في الصالات الإماراتية فيلماً من إنتاجنا واليوم صرنا نشاهد نحو أربعة عشر فيلماً إماراتياً يدخل الجمهور ليشاهدها بتذاكر. إذاً هناك أشياء تتحقق أهمها أن تصبح السينما هنا شرعية، لأنه في السنوات الأولى كانت المهمة صعبة في أن تخلق شرعية لمخرجين إماراتيين، لأنه لما كنا نقول لبعض النقاد: ندعوك لمسابقة أفلام من الإمارات يكون الرد «وهو الإمارات فيها أفلام؟»، ولما نقول أنها أفلام قصيرة تُصبح شرعيتنا أصعب لأنه في نظر الجميع أن الفيلم هو الطويل فقط، مثلاً كان آباء وأمهات البنات يقولون لي «اقطع التتر لأن أسماء البنات مكتوبة عليه» كانوا يخشون أن يقرأها الناس، لكن اليوم نجد الأهالي يحضرون أفلام بناتهم في الصالة السينمائية وهم فخورون بهن، السينما لعبت دوراً في تغيير فهم وثقافة المجتمع. > ولماذا تقوم شركة إنتاج إماراتية بدعم أفلام أميركية أو تدخل في شراكة مع أفلام من هوليوود، أليس من باب أولى أن تضع هذه الأموال لإنتاج فيلم إماراتي؟ - هذا استثمار. فلا يمكن أن تقتص من شيء كي تمنحه لشيء آخر. هذه الشراكة هي اسثمار مادي. لأنه سيكون للشركة الإماراتية المشاركة في الإنتاج حصة ودخل من هذه الإيرادات مع هولويوود وهذا سيجعلها تساهم في إنتاج أفلام آخرى. فالاستثمار في السينما أيضاً له أرباح، اليوم انظري بعد أن تم السماح بفتح دور عرض في السعودية تأملي كمّ وعدد المستثمرين الذين يتقدمون ويتنافسون على إقامة مشاريع سينمائية استثمارية في السعودية. > وماذا تتوقع من واقع خبرة سابقة مماثلة؟ - أتوقع فوضى عارمة لثلاث أو أربع أو حتى خمس سنوات، فوضى عارمة في كل شيء: في بناء الصالات، وفي صناعة الأفلام، في الرقابة، في العروض، وستظل هذه الفوضى حتى تتشكل الأشياء، كأنك رميت الحجر فجأة في المياه. دائماً تكون هكذا البدايات، مرتبكة إلى أن تجد مكانك وحيزك، وتتضح الرؤية، وتنجح في إقامة مشروعك.
مشاركة :