سلط موقع «دويتشه فيله» الألماني الضوء على ما أسماه بـ «الخسائر المتلاحقة» التي مُنيت بها الإمارات مؤخراً في منطقة القرن الإفريقي، مقارنة بالتواجد التركي الأكثر رسوخاً واستقراراً، معتبراً أن تلك المنطقة الاستراتيجية في القارة السوداء تشهد صراعاً مكتوماً على النفوذ بين أبوظبي وأنقرة. وذكر الموقع الألماني، في تقرير له، أن أبوظبي سعت إلى تأمين تواجدها في منطقة القرن الإفريقي، بعد أن أصبحت تتحكم في ميناء عدن، واصفاً المساعي الإماراتية في تلك المنطقة بأن وراءها طموحاً سياسياً كبيراً جعل أبوظبي تتمدد في منطقة القرن الإفريقي بعمل شراكات مع حكومات دول، مثل الصومال، وجيبوتي، وحتى إريتريا.لكن تركيا، الغريم السياسي للإمارات -حسب «دويتشه فيله»- لم تكتف أبداً بالجلوس في موقع المتفرج، بل عملت كذلك على التواجد في المنطقة ذاتها وغيرها، عبر اتفاقيات اقتصادية ضخمة مع حكومات دول إفريقية. وأشار الموقع إلى الخسائر التي منيت بها الإمارات، والمتمثلة في فقدان أكثر من موطئ قدم لها في منطقة القرن الإفريقي، منها إلغاء جيبوتي عقد الامتياز الممنوح لمجموعة موانئ دبي العالمية الذي يقضي بأن تتولى تشغيل محطة «دوراليه» لمدة خمسين عاماً. إضافة إلى جيبوتي، جاءت أحدث الخسائر الإماراتية في إفريقيا، من الصومال التي تشهد أزمة سياسية كبرى مع أبوظبي، حيث قدم مندوب مقديشو في الأمم المتحدة شكوى ضد الدولة الخليجية اتهم فيها أبو ظبي بـ «التدخل السافر في الشأن الصومالي والاعتداء على القانون الدولي»، وارتكاب «أعمال تقوض وحدة البلاد»، عبر إبرامها اتفاقية مع إقليم أرض الصومال -غير المعترف باستقلاله دولياً عن الصومال- لاستغلال ميناء بربرة، وبناء قاعدة عسكرية في الإقليم، دون إذن من الحكومة الفيدرالية. وفي الشهر الماضي، صوت البرلمان بالأغلبية لصالح قرار يمنع شركة موانئ دبي العالمية من إدارة واستغلال الموانئ في الأراضي الصومالية، ملغياً بذلك جميع الاتفاقيات مع الشركة الإماراتية. وفي التداعيات، ألغى وزير الدفاع الصومالي، محمد مرسل شيخ عبد الرحمن، من جانبه، اتفاقية للتعاون الأمني تقوم الإمارات بمقتضاها بإعادة تأهيل قوات من الجيش الصومالي، على خلفية مصادرة الصومال مبالغ مالية ضخمة، قدرت بملايين الدولارات، قالت مقديشيو إنها أموال كانت ستسلم إلى أطراف متنازعة داخل البلاد، بهدف تقويض الدولة، انتقاماً منها لموقفها من أزمة الخليج الذي اعتبرته الإمارات مساندة لقطر. ونقل «دويتشه فيله» عن الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس، والخبير في شؤون الشرق الأوسط، قوله عن تلك الخسائر الإماراتية: «إنه لا بد من قراءة هذه التطورات في سياق وجود سباق أكبر على التمركز الاستراتيجي في مناطق من البحر الأحمر والقرن الإفريقي»، في إشارة إلى حرب اليمن، وبالمساعي الإيرانية والتركية والإسرائيلية، لتكون قوى أساسية في المنطقة. ويضيف الخبير في الشأن الإفريقي أن الأمر بين الإمارات وتركيا في شكله الأساسي والظاهر في القرن الإفريقي صراع اقتصادي واستراتيجي، وأن «هذه القوى الإقليمية الصغيرة كجيبوتي أو الصومال ربما تفضل أن تتعامل مع أطراف على حساب أطراف أخرى، وربما تحاول تحفيز أطراف أخرى على الحلول محل الطرف الإماراتي»، موضحاً أن «الوجود التركي في جزيرة سواكن يأتي في إطار التنافس الخفي على السودان، وفي خلفيته خلاف مصري- تركي والإمارات جزء منه». ويقول الدكتور خطار أبو دياب إن الإمارات تتمركز في أرض الصومال، وإن وجودها في المنطقة مستمر حتى ولو خسرت وجودها في الصومال نفسه، لذا فهو لا يعتقد أن «الإمارات وتركيا يركضان خلف بعضهما». ويضيف الخبير السياسي أنه يمكن القول إن المحصلة النهائية لهذه التطورات في القرن الإفريقي هي تسجيل قطر نقطة على حساب الإمارات، في إطار الحرب بينهما، في امتداد للأزمة الخليجية إلى خارج حدودها الإقليمية.;
مشاركة :