لماذا تفشل التنمية؟

  • 4/21/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عقلية المسؤول المركزية لا تبحث عمن يكون ندًا له بل غالباً ما تركز على الشخصيات الأقل قدرة على البروز والنجاح، فالمشكلة هنا لا تكمن في «المركزية» فقط بل تمتد إلى الأذرع التنفيذية.. لابد أن الكثير منا يسأل لماذا لدينا مشكلة في تطبيق خطط التنمية، فقد بدأنا منذ العام 1970م في وضع خطط خمسية للتنمية والتطوير، فكرة هذه الخطط أكثر من رائعة لكنها واجهت إشكالات كبيرة في التطبيق، فأين يكمن الخلل؟ أنا على يقين أن كثيرًا منا يثير هذا السؤال بينه وبين نفسه، أو عندما يكون الحديث عن مسيرة التنمية التي مرت بها بلادنا وهي مسيرة طويلة ويكفي أن الخطط الحكومية العملاقة بدأت منذ نصف قرن تقريباً، لكن ظل هناك مشكلة واضحة أن مثالية الخطط التي على الورق لا تخرج بنفس المثالية، ولا حتى قريبة منها في الواقع. ربما يكون كل واحد منا له تفسيراته لهذه الظاهرة لكن من وجهة نظري أرى أن المشكلة تكمن دائماً في التفاصيل ولهذا قيل أن «الشيطان يوجد في التفاصيل». «لماذا تفشل التنمية» هو عنوان كتاب أعكف على كتابته حالياً عن تجربتي في الإدارة خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة فقد أتيحت لي فرصة كبيرة كي أكون في العمل الإداري القيادي في المجال الأكاديمي، والقطاع الخاص والمجال الحكومي العام، وفي كل هذه التجارب واجهت كثيراً من النوايا الصادقة والحماس المنقطع النظير من قبل القيادات في تلك المؤسسات لكن للأسف عندما نصل إلى التفاصيل يبدأ العمل في التشتت وتتداخل القرارات وتصبح الصورة شديدة الضبابية. اكتشفت من تلك التجارب أن هناك خللاً واضحاً في «الصلاحيات» وفي اختيار الكفاءات التنفيذية. ومشكلة الصلاحيات غالباً هي التي يكمن في تعرجاتها «الشيطان». العمل الإداري من الناحية النظرية غالباً ما يكون في غاية التنظيم والتسلسل السلس. يكتب الوصف الوظيفي وتحدد الصلاحيات بدقة. أقول هذا لأن التنمية بحاجة إلى إدارة، وقد وجدت بعد بحث طويل أو قصير أن التنمية تفشل ليس لأنه لا توجد خطط بل لأننا لا نستطيع تنفيذ هذه الخطط، والمشكلة إدارية وليست في توفر الإمكانات المادية. إحدى أهم نقاط الضعف التي قد تواجه أي خطة تنمية هي أن تكون فلسفة المسؤول الإداري الأول عنها «مركزية» ففي هذه الحالة لن تجدي مثالية الخطة، ولا تنفع النيات الطيبة للقيادات، لأن الخطة تسير بـ»عقل واحد» وبالتالي فإن القرارات عندما تصل إلى مرحلة التنفيذ تتوه وتتشتت لأنه لا يوجد من تدرب على اتخاذ القرار في الوقت المناسب. عقلية المسؤول المركزية لا تبحث عمن يكون ندًا له بل غالباً ما تركز على الشخصيات الأقل قدرة على البروز والنجاح، فالمشكلة هنا لا تكمن في «المركزية» فقط بل تمتد إلى الأذرع التنفيذية التي عادة ما تكون هزيلة ومترددة وترجع في كل صغيرة وكبيرة إلى «العقل الكبير» الذي يخطط ويريد أن يربط جميع خيوط التنفيذ في يده. اختيار الكفاءات هنا يوجد فيه «لبس» شديد، فمن يملك المقدرة والمهارة يشكل «خطرًا» ويصبح غير مرغوب فيه بينما تتمكن الكفاءات الأقل مهارة من مفاصل خطط التنمية وهي التي تقودها مع الوقت إلى الفشل. ولأن التفاصيل دائماً تكمن في التنفيذ، وغالباً ما يكون المنفذون هم مجرد ظل للقيادات المركزية التي تضع الخطط وتسيرها لذلك تتحول الخطط المثالية، مع الوقت، إلى عبء كبير فتتراجع الأهداف الكبيرة إلى مجرد عمليات إجرائية غير إنتاجية يتم فيها هدر للموارد وتشتيت للأهداف وإضاعة للوقت. الغريب أن بناء الفرق الضعيفة يتعارض مع المنطق ومع مقولة مشهورة في فلسفة القيادة هي: «تكون متميزًا بقدر تميز فريقك»، لكن للأسف يوجد لدينا مركب نقص يدفع دائماً للخوف من «الرجل الثاني» وهو ما يكرس «ثقافة الفشل» بشدة. في حقيقة الأمر هذه هي الصورة العامة التي خرجت بها من تجارب متعددة خضت فيها غمار الإدارة ووجدت أن مشكلة التنمية تكمن في «أفراد» اجتهدوا، بعضهم أصاب والبعض الآخر أخفق، وكانت ثقافة جميع من أخفق هي «المركزية»، إما نتيجة لضعف الفريق كون أن أعضاءه غير مؤهلين وتم اختيارهم عمداً كي يكونوا على هذا القدر من الكفاءة حتى لا يشكلوا أي خطر، أو لعدم الثقة في الفريق، وهذه حكاية أخرى لعلنا نتحدث عنها في المستقبل.

مشاركة :