كانت منطقة الحِجر وتحديدًا مدائن صالح أشبه ما تكون بالكنز المدفون أو المنسي، حتى أنها تعرضت للتهميش والإهمال إلى أن تجرّأ بعض من لا يعرف قيمتها التاريخية إلى العبث بها وإتلاف بعض نقوشها وموجوداتها، إضافة إلى أنه لم يسجل لها أي حضور على ساحة التراث العالمي، وكأنها لم تكن، رغم ما تضمه من الشواهد للحضارة الثمودية واللحيانية والنبطية والتي يعود تاريخها للألفية الثالثة قبل الميلاد، وكان من الممكن أن يستمر الأمر على ذات النحو، لو لم تبدأ هيئة السياحة في المملكة منذ سنوات قليلة بنفض الغبار عن هذا الأثر التاريخي العملاق، وإدخاله ضمن أجندتها بعد تسجيله ضمن قائمة التراث العالمي في اليونسكو، لكن كل ذلك لم يكن كافيًا لوضع مدائن صالح على خارطة السياحة العالمية، إلى أن التقطتها رؤية السعودية 2030، ووضعتها ضمن عناوينها الرئيسية إيمانًا بأهميتها، وتقديرًا لقيمتها على الصعيدين السياحي والاقتصادي كإحدى أدوات تنويع مصادر الدخل، خصوصًا وأن هناك دولًا أخرى تمتلك إرثًا أقل بكثير من قيمة مدائن صالح، ومع هذا فهو يدر على موازناتها الكثير من المال نتيجة حسن استثماره. غير أن بداية إشراقة شمس العلا، كانت بموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله- على إنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العلا، مع ما يعنيه إقامة هيئة ملكية في جزء لم يكن على مر الوقت أكثر من محافظة تابعة لمنطقة المدينة المنورة، لكن الرؤية أرادتْ أن تتحرك في تطوير هذه المنطقة الأثرية بعيدًا عن الروتين الإداري، وبآليات سريعة تحقق ما يُنتظر منها على وجه السرعة خدمة لسياحة المملكة واقتصادها، لتأتي بعد ذلك الخطوة العملية لاستثمار العلا خلال زيارة صاحب السمو الملكي ولي العهد -يحفظه الله- إلى العاصمة الفرنسية، حيث وقع ضمن 20 اتفاقية اقتصادية مع الجمهورية الفرنسية على عقد يخص تطوير وتشغيل منطقة المدائن، بما عرف عن الفرنسيين من خبرات راقية في ميدان ترقية التراث والآثار، واستثمارها بشكل يجعلها إحدى أهمّ الواجهات السياحية على مستوى العالم، وهي لفتة حادة الذكاء من سموه، والذي يعرف بالتأكيد شغف الفرنسيين بآثار هذه المنطقة، والتي يتوفر اللوفر على بعضها ك (تيما ستيلا) أو حجر تيماء، والذي عثر عليه قديمًا أحد الفلاحين واستخدمه في مزرعته قبل أن يشتريه منه المستشرق الفرنسي «هوبر».
مشاركة :