تعكس التقييمات المتشائمة حول صناعة السياحة التي لها دور هام في توفير النقد الأجنبي لتونس، إلى جانب تحويلات المغتربين والاستثمار، أن السلطات أمامها الكثير لتفعله كي تجعل القطاع ينهض بشكل أكبر في المستقبل. واعتبر وزير السياحة محمد المعز بلحسين خلال جلسة مع لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية في البرلمان الاثنين الماضي أن الميزانية المرصودة للوزارة قليلة بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها الوزارة والقطاع برمّته. وقال بلحسين إن مخصصات “الوزارة لهذا العام والبالغة 180 مليون دينار (57.7 مليون دولار) ضعيفة في ظل نقص الموارد البشرية وتسجيل شغورات في العديد من الاختصاصات، فضلا عن تراجع عدد الموظفين وضعف وسائل العمل”. ورغم التراث التاريخي الكبير الذي ورثته تونس من الحضارات القديمة والقبائل البربرية والتاريخ الإسلامي، تركز السياحة في الغالب على المنتجعات الشاطئية والسفن السياحية المتجولة. محمد المعز بلحسين: المنافسة الكبيرة وديون الفنادق وقلة التمويل أبرز التحديات محمد المعز بلحسين: المنافسة الكبيرة وديون الفنادق وقلة التمويل أبرز التحديات وبعد الركود الناتج عن إجراءات الإغلاق التي رافقت جائحة كورونا في عامي 2020 و2021، تعافى القطاع جزئيا العام الماضي مع استقبال أكثر من 6.4 مليون سائح وتحقيق إيرادات تجاوزت 1.3 مليار دولار. ومع ذلك يأمل القطاع أن تعود السياحة إلى سابق عهدها، وتحديدا قبل 2011 عندما كانت تونس أهم وجهة في شمال أفريقيا، وأن تستعيد البلاد مكانتها كواحدة من أهم الوجهات في المنطقة لما تتمتع به من خصائص فريدة. وطالب العاملون في السياحة مرارا بضرورة تقديم المزيد من الدعم لهذا القطاع الحيوي، الذي ينعكس تطوره وازدهاره على مجالات أخرى. وتتطلع تونس إلى أن يُسهم تنويع منتجاتها في استقطاب المزيد من السياح، بما يمكّن القطاع من التعافي بعد الأزمات التي تعرض لها خلال السنوات التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وتملك البلاد بنية تحتية مجهزة وقادرة على استيعاب ازدحام الرحلات خاصة خلال فصل الصيف، الذي يشكل ذروة الطلب على المرافق السياحية. لكن ثمة تحديات كثيرة تعيق إعطاء القطاع المهم دفعة قوية لاسيما من حيث الاستثمارات الأجنبية وأيضا تنويع المنتجات وتقديم الدعم لكل المجالات المرتبطة به. ولفت بلحسين خلال جلسة مناقشة ميزانية 2024 إلى أن المنافسة الكبيرة، في إشارة إلى المغرب ومصر، وديون القطاع الفندقي، إلى جانب تمويل القطاع ومشاكل النظافة والعناية بالبيئة، تشكل أبرز التحديات. وينتشر في مختلف المدن والمناطق أكثر من 840 فندقا و220 ألف سرير و1100 وكالة سفر، إلى جانب 357 مطعما مصنفا على أنه سياحي. ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى بلحسين قوله إن “محدودية الميزانية المخصصة للترويج ستنعكس سلبا على مختلف الحملات الاتصالية في الداخل والخارج”. وأكد أن الإستراتيجية المهمة لتنمية القطاع ترتكز على تحديثه وحوكمته وتنويعه والنهوض بمنظومة التدريب وتحفيز الطلب على الوجهة التونسية وتحسين الجودة. ويوفر القطاع نحو 400 ألف فرصة عمل بصفة مباشرة وغير مباشرة، ويعيش منه ما يقارب 2.8 مليون شخص، وكان في السابق يعدّ ثاني مصدر للعملة الصعبة بعـد قطاع النسيج الذي تراجع بشكل ملحوظ. ومن بين أبرز الصعوبات، التي من شأنها أن تعيق تطوير جذب السياح والاستثمارات الخارجية، المشاكل الإدارية وإطلاق رحلات طيران مباشرة وتسهيل إجراءات السفر والحصول على التأشيرات السياحية. وفي تقرير أصدرته الهيئة التونسية للاستثمار مؤخرا لم يتم التطرق إلى حجم تدفق رؤوس الأموال الخارجية إلى السياحة في النصف الأول من هذا العام. وتشكل صناعة السياحة الحيوية في الظروف الطبيعية نحو 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن أعداد الزائرين تراجعت بشدة خلال السنوات الماضية، باستثناء عام 2019، مما زاد من الضغط على الاقتصاد الذي كان بالفعل يتخبط في أزمات. 57.7 مليون دولار حجم ميزانية وزارة السياحة في عام 2023 وهي لا تكفي لإصلاح القطاع وترقيته وكان القطاع قبل 2011 يسهم بنحو 14 في المئة من الاقتصاد، وفق البيانات الرسمية، لكنه تضرر بأزمات بعد ذلك جراء تداعيات أحداث إرهابية عصفت بالبلاد قبل سنوات. وألقت الأزمة الاقتصادية الحالية بظلالها على هذا المجال، وزادت وطأتها مع تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، التي أثرت في قطاع السياحة في العالم خلال العام الماضي. وشدد بلحسين على أهمية الصناعات التقليدية في دعم السياحة نظرا إلى مساهمتهما على الأقل بنسبة 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتساهم الصناعات التقليدية وحدها بنحو 4 في المئة وتشغل حوالي 300 ألف حرفي، وتحقق إيرادات من التصدير بقيمة 149 مليون دينار (47.75 مليون دولار) سنويا. ويرى الوزير أن الرؤية الإستراتيجية لتنمية هذا المجال تهدف إلى دعم البحث والتجديد عبر تطوير المؤسسات والنهوض بالاستثمار وتحسين جودة المنتوج لضمان الترويج داخليا وخارجيا. وبفضل خطة لتنمية السياحة تسعى تونس خلال السنة الحالية إلى تدارك ما تكبده القطاع من خسائر طيلة السنوات الأخيرة، وهو ما ظهر في تحسن الأرقام. وكانت وزارة السياحة قد قالت في مايو الماضي إنها شرعت في مخطط عملي لاستعادة القطاع نشاطه والوصول به إلى مستويات ما قبل الجائحة وتنويع المنتوج السياحي لاستقطاب أكثر من 9 ملايين سائح هذا العام.
مشاركة :